كتب منير الربيع في “المدن”:
خلطت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن كل الأوراق في منطقة الشرق الأوسط. فعدم اهتمامها بأوضاع المنطقة يضعها برمّتها في ضياع، قد تنتج عنه خضّات وتوترات متعددة. وقد يدفع الغياب الأميركي القوى الإقليمية إلى اللعب بأكبر عدد من الأوراق، ليحسن كل منها موقعه التفاوضي في المستقبل.
خيبة باريس المتجددة
باريس التي كانت أيام ترامب أقرب إلى إيران، ذهبت في منحى جديد إلى جانب بايدن. وأعلنت أن أي مفاوضات مع إيران للعودة إلى الاتفاق النووي، تتطلب بالضرورة البحث الشامل في الصواريخ البالستية الإيرانية، وفي النفوذ الإيراني في منطقة الشرق الأوسط، إضافة إلى إشراك دول المنطقة في أي تفاوض جديد. ورفضت طهران الطرح الفرنسي، وصعدت موقفها. ووصل الأمر بوزير خارجيتها محمد جواد ظريف إلى التصريح بأن ماكرون لا يحق له التدخل في الشؤون اللبنانية.
والتحرك الفرنسي تلقى صفعة كبيرة وجديدة في لبنان من رئيس الجمهورية، ميشال عون، بإفشاله محاولة تشكيل الحكومة. وجاء هذا بعدما حصل ماكرون على تفويض أميركي في لبنان، على قاعدة الثوابت الأميركية حول حزب الله، ومهمة الحكومة، والشروط المطلوبة منها.
وبعد كلام ظريف، أصبح واضحاً أن طهران لن تقدم أي تنازل لفرنسا في لبنان. وهي إذا ما أرادت أن تفعل، فلحساب واشنطن وليس لباريس. وهذا يعني أن المسار طويل وسيمتد شهوراً. الأوضاع أو الأزمة اللبنانية على حالها إذاً، وتتضاعف. فالرئيس الفرنسي يستعد لزيارة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات. وهو يطمع إلى توقيع اتفاقيات وصفقات تسلح كبيرة. وهذا يزعج طهران، ويدفعها إلى التصعيد أكثر ضد الفرنسيين.
عون الثاني وباسيل
تفرض الوقائع الدولية والإقليمية استمرار الاستعصاء اللبناني: تفاهة سياسية تتخذ طابع سجالات طفولية على الصلاحيات، وتهم مثلها بالمسؤولية عن التعطيل، فيما تتسع الأزمة وتتعمق في الأشهر المقبلة، فيما يقترب موعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية ميشال عون العام المقبل.
والرئاسة معركة في حدّ ذاتها. لا سيما أن عون يفكر جدياً عزمه على المكوث في القصر الجمهوري، في حال عدم إجراء انتخابات رئاسية. وهذا ما كشفته “المدن” سابقاً، من خلال طرح عون أن معادلة التمديد للمجلس النيابي تسري على رئاسة الجمهورية، التي يجب ألا تشغر.
وهذا ما يضع الأمور السياسية على حافة مشابهة للحقبة العونية الممتدة بين العامين 1988 و1990، عندما رفض عون الاعتراف بالرئيس رينيه معوض وباتفاق الطائف. ولم يخرج من القصر إلا بدخول الجيش السوري بناء على تفاهم مع الأميركي.
دور حزب الله
عون لن يخرج من قصر بعبدا. والانتخابات الرئاسية لن تحصل، في انتظار حصول توافق على انتخاب جبران باسيل رئيساً. وأي خيار بديل لا بد من أن يكون أكبر من لبنان ومن الجميع. وتحت هذا السقف يستمر تعطيل تشكيل الحكومة. ولكن ليس لهذا السبب فحسب. بل هذا سبب ونتيجة في آن معاً، نظراً للاستعصاء الإقليمي القائم.
والشروط الأميركية والسعودية لا تزال على حالها في ما يتعلق بحزب الله. وهذا هو السبب الأساسي الذي يحول دون تشكيل الحكومة. لكن الحزب إياه يعرف جيداً كيف يدير سياسته، كي لا يظهر أنه هو الذي يدير التعطيل. فعون يتبرع بتصعيد شروطه، والحريري حريص على علاقة جيدة بحارة حريك.
إيران وإسرائيل
ستكون الأزمة في الأشهر المقبلة أخطر وأعمق. والمنطقة ستكون في حال من الضياع التي قد تؤدي إلى حصول مفاجآت متعددة الأوجه. الثابت حتى الآن هو استمرار الاستراتيجية الإسرائيلية نفسها في سوريا، وآخرها الغارات التي حصلت فجر اليوم الإثنين 15 شباط، إضافة إلى رفع منسوب المناورات العسكرية الإسرائيلية على الحدود اللبنانية – السورية. فبعد مناورة “عاصفة الرعد”، يجري الجيش الإسرائيلي مناورة جديدة يطلق عليها “وردة الجليل”. والمناورات قابلة لأن تؤدي إلى تفجر الأوضاع في أي لحظة. لا سيما إذا ما شعرت تل أبيب بأن واشنطن ذاهبة أكثر في اتجاه إيران. وهذا قد يدفعها إلى تغيير الشروط وتعديل الموازين وفرض أمر واقع جديد.
ويبقى لبنان أولوية إسرائيلية في مثل هذه الأوضاع. وبعد ضربات الإثنين الجوية الإسرائيلية على سوريا، جرى صباح النهار نفسه تحويل مسار طائرة بوينغ إيرانية إلى مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت، بدلاً من هبوطها في مطار دمشق.
ومن غير المعروف ما الذي تحمله هذه الطائرة. ولماذا حولت مسارها إلى بيروت. لكن ذلك سيكون محط رصد ومتابعة في إسرائيل وأميركا. وقد تُفرض وقائع جديدة في لبنان. فإيران لا تزال تبحث عن استمرار توفير خطوط الإمداد بين طهران وبيروت ودمشق، في حال تعرقل طريق البر. وهي تلجأ إلى استخدام الطيران الذي أصبح يتعرض إلى تضييق كبير على ما يبدو. هذا فيما يبحث الإيرانيون عن طريق بحري جديد أيضاً.