بيتكوين عملة تحوّط بديلة من الذهب ووسيلة تهرّب من العقوبات الأميركية

كتبت ايفا ابو حيدر في الجمهورية: تشقّ «بيتكوين» طريقها نحو المستقبل لتطرح نفسها عملة تحوّط بديلة من الذهب. فهل يتجه العالم نحو نظام مالي جديد، خصوصاً بعدما أثبتت العملة الرقمية أنها وسيلة تحوّط ضد التضخّم ومخزناً للقيمة ووسيلة للتهرّب من العقوبات الأميركية التي تفرض بواقع قوة الدولار عالمياً؟

حدثان بارزان في غضون أيام رفعا العملة المشفرة «بيتكوين» الى أعلى مستوى لها على الاطلاق لتقترب من حاجز الـ 50 الف دولار. الأول، اعلان شركة «تسلا» شراء 1.5 مليار دولار من العملة المشفّرة، وانها ستبدأ في قبولها كوسيلة دفع مقابل سياراتها ومنتجاتها الأخرى في المستقبل القريب. والثاني، اعلان شركة «تويتر» من خلال مديرها المالي نيد سيغال انها تفكر في الاحتفاظ بعملة بيتكوين في ميزانيتها العمومية، وتدرس إمكانية استخدامها لدفع رواتب موظفيها. هاتان الخطوتان كفيلتان بتحفيز شركات التكنولوجيا الأخرى للتفكير ملياً في هذه الخطوة لحَذو حذوهما.

ويؤكد المتخصّص في العملات الرقمية والمشفرة محمود دغيم انّ هاتين الخطوتين ذات أهمية كبيرة لمستقبل العملة المشفّرة التي تشهد حالياً هجمة عالمية لشرائها، خصوصاً بعدما ارتفع سعرها من بضع سنتات الى 47 الف دولار، والشُراة هم أفراد ومؤسسات في «وول ستريت» وشركات في «سيليكون فالي».

أضاف: تعدّ بيتكوين بديلاً من السياسة النقدية المعتمدة في البنوك المركزية في العالم من ناحية التحوّط، فلهذه العملة مجموعة خصائص تتشابَه كثيراً مع الذهب المعتمد حالياً، فهي تملك المقومات لتكون عملة احتياط عالمية ووسيلة تحوّط ضد التضخّم. ولفت الى انّ السبب الرئيسي وراء اندفاع المستثمرين والشركات نحو هذه العملة هو محاربة التضخم، وطرحها، الى جانب اقتناء الذهب، كأحد البدائل من الدولار. وبرأي المستثمرين، تعتبر بيتكوين البديل الرقمي للذهب وتتمتّع بنفس خصائصه. الأمر مُشابِه للبريد الورقي والبريد الالكتروني، لذا من المتوقع ان يكون لهذه العملة مستقبل باهر على المدى الطويل، وهذا ما يبرر الهجمة على اقتنائها وإدراجها ضمن الميزانية العمومية لبعض الشركات.

لكن لماذا ارتفع سعر بيتكوين اليوم؟

يقول دغيم: بدأ التداول بالبيتكوين في العام 2009، وحتى العام 2017 كانت هذه العملة في سُبات، الى أن حققت قفزات قياسية من السنتات الى 19 الف دولار، ثم عادت وتراجعت الى ما بين 8000 و9000 دولار وواصلت تراجعها الى 4000 دولار، لكنها في نهاية 2019 ومطلع 2020 عادت لتسجّل ارتفاعات متتالية حتى وصلت الى 47 ألفاً. وبعد تصريح الرئيس التنفيذي لشركة «تسلا» إيلون ماسك، ارتفعت اكثر ولامست الـ49 الفاً، قبل ان تعود الى 47 الفاً. وعَزا دغيم هذه القفزة في سعر بيتكوين الى عدة عوامل، أبرزها:

– إنتشار جائحة كوفيد 19، إذ دفعت ضبابية الاقتصاد في مرحلة ما بعد الوباء والتخوّف من تغيّر النظام الاقتصادي العالمي، المستثمرين الى شراء العملة الرقمية.

– فائض السيولة النقدية الموجودة في الأسواق، خصوصاً انّ غالبية المصارف المركزية في العالم قدمت مساعدات نقدية لمواطنيها، ولجوء البعض منها الى شراء سندات خزينة للدول لمساعدتها في تأمين السيولة لمحاربة الأزمة الاقتصادية الناجمة عن هذا الوباء، ما أدّى الى ارتفاع حجم السيولة في الأسواق ودفع بالافراد والشركات الى استعمال هذه السيولة للاستثمار في الأسواق المالية العالمية، والتي سجلت نمواً بنحو 20%، ومن ضمنها شراء عملة بيتكوين.

– اعلان بعض المؤسسات المالية في بورصة وول ستريت شراء بيتكوين وإدراجها ضمن محفظتها المالية، فيما كان شُراة بيتكوين سابقاً هم من الافراد حصراً، ما أعطى دفعاً أكبر لهذه العملة. أضف الى ذلك توقعات «غولدمان ساكس» بأن يصل سعر بيتكوين في السنوات الخمس المقبلة الى 141 الف دولار ما عزّز الثقة بها.

– اعلان مجموعة من كبريات الشركات، مثل «تسلا» و»تويتر» و»مايكروستراتيجي» و «سكوير»، شراء عملة بيتكوين وادراجها ضمن ميزانيتها العمومية، ما دفع بهذه العملة الى ارتفاعات قياسية.

– اعلان «Tesla» و»Paypal» احتمال قبولها الدفع بواسطة بيتكوين لشراء منتجاتها، ما فتح مجالات لتصريف او استخدام هذه العملة ما شكّل عاملاً إضافياً لتعزيز الثقة بها.

معوقات التقلّب

ماذا عن العوائق التي تحول دون تحوّل بيتكوين الى عملة تحوّط عالمية؟

على رغم الهجمة على شراء العملة المشفرة لا يمكن إخفاء أنّ من أحد مساوئها التقلّب الدائم والسريع في سعرها على عكس الذهب، بما يطرح السؤال التالي: كيف يمكن لهذه لعملة غير المستقرة ان تحمي قيمة الاحتياطي؟

يرى دغيم انّ هذه العملة تحتاج الى عدة سنوات قبل ان تنضج maturity cycle ويتوسّع انتشارها، لكن بما أنها رقمية، يمكن المراهنة عليها مستقبلاً. وأشار الى انّ هناك بعض الثغرات التي تحول حتى الآن دون استخدامها كعملة تحوّط بديل من الذهب، وهي:

– لا تزال القيمة السوقية للبيتكوين اقل بكثير ممّا يخوّلها أن تصبح عملة تحوّط، فنلاحظ مثلاً انّ الذهب الموجود منذ آلاف السنين لا تتقلب أسعاره كثيراً، على عكس بيتكوين التي لا تزال في مراحل نشأتها الأولى، فهي صدرت في العام 2009 ولا شك انها ستمرّ بالكثير من التقلّبات قبل ان تصل الى مرحلة النضوج، وقد لاحظنا كيف انها تسجل في دقائق ارتفاعاً بنسبة 30%.

– بما انّ قيمتها السوقية صغيرة فإنّ مخاطر التلاعب والمضاربة بالعملة قائمة، لأنّ كميات كبيرة من هذه العملة لا تزال في يَد قلّة قليلة من الافراد، لا سيما في الصين وأوروبا، على عكس الذهب الذي يلاقي انتشاراً عالمياً واسعاً، وبالتالي يصعب التلاعب به.

– بيتكوين ليست سهلة الاستخدام مثل الذهب، فمَن يَقتني هذه العملة يجب ان تتوفّر لديه ثقافة تكنولوجية، وبالتالي لا يمكن ان تكون في متناول الجميع راهناً.

وسيلة تهرّب من العقوبات؟

من جهة أخرى، كشف دغيم انّ ما يميّز هذه العملة هي قدرتها ان تكون مستقبلاً عملة احتياط رَديفة مثل الذهب، وان تكون وسيطاً بين العملات بدقائق cross border settlement. على سبيل المثال، إنّ بيع اليِن أو أي عملة أخرى مقابل الدولار يمرّ في مؤسسات دولية عدة شبيهة بالمصارف المراسلة ويستغرق التدقيق بهذه التحويلة يومين او أكثر، بينما تستطيع بيتكوين ان تكون البديل من خلال تأدية دور الوسيط، بحيث يتم شراء بيتكوين بعملة الين ثم يُعاد بيعها بالدولار، فيحصل الشاري على الدولار في دقائق.

الى جانب ذلك، هي وسيلة للخروج من النظام المالي العالمي المَبني على الدولار وقد استغلّت بعض الدول هذه الميزة كوسيلة للتهرّب من العقوبات الأميركية، مثل إيران وفنزويلا… فتحمل المصارف المركزية في هذه الدول احتياطياً من بيتكوين تستخدمها كبديل عن الدولار.

هجمة لبنانية

هل يمكن للبنانيين الاستثمار في بيتكوين كوسيلة لإخراج أموالهم العالقة في المصارف؟

يؤكد دغيم انه لا يمكن الاستثمار اليوم بالبيتكوين كطريقة لإخراج الأموال العالقة في المصارف، لكنّ بعض من أخرج أمواله من المصرف خلال الأزمة بواسطة شيك مصرفي قام ببَيعه للحصول على النقدي مقابل نسبة haircut استثمَر أمواله في شراء بيتكوين، وبعدما ارتفع سعر هذه العملة تمكّن من استرداد خسائره وتحقيق أرباح. على سبيل المثال، مَن باع شيكاً مصرفياً بقيمة 100 الف دولار في كانون الثاني 2020 مقابل الحصول على 60 الف دولار نقدي واستثمرها في بيتكوين، حَقّق حتى الآن 220 الف دولار، وبهذه الطريقة استردّ أمواله التي خسرها مع أرباح إضافية جيدة

وأوضح دغيم انه حتى قبل أزمة المصارف كان يحظّر استعمال البطاقات الائتمانية لشراء العملة المشفرة، الّا انّ هذه العملية مُتاحة بين الافراد عبر منصّة «تليغرام» بين مَن يملك الدولار النقدي ومن يريد بيع بيتكوين. ولاحظ انه حصلت حتى الآن موجتا شراء لبيتكوين من قبل اللبنانيين، الأولى إبّان الأزمة المصرفية المالية، والثانية منذ نحو 6 اشهر كطريقة استثمار لجَني الأرباح.

المصدر: الجمهورية