يصرّ البعض على وسم “الإقتحام الغربي” على مستوى سفراء إلى الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل “المقاومة”، على صورة دخول الفاتحين، والكلام يستبطن محاولة لـ”كسر تابو” “حزب الله” المزعوم، كما يحلو تصويره، رغم أن المحاولة التي جرى توقيعها تحت جناح تأبين الناشط السياسي لقمان سليم، تُحسب للحزب وليس عليه، بحيث تظهر أن “ضاحيته غير مقفلة”!
كان في مقدور “حزب الله” عرقلة “حركة السفراء” إلى حارة حريك، بالطرق السلميّة طبعاً، لكنه تعاطى معها بدقة شديدة، حتى أنه لم يسمح بتسريب خبر الحضور السفراتي قبل يوم من الموعد المقرّر رغمَ علمه به، بل أنه ألزمَ نفسه وبيئته ضرورة احترام حفل التأبين وتجاوز كل ما سيصدر خلاله من مواقف، وهذا التقدير نابع من محاولة لقطع الطريق على أي استدراج له.
ويعلم الحزب ، أن عملية الإغتيال وموقعها الجغرافي، ينمّان عن محاولة لاستدراجه وبيئته إلى “أتون” فتنة أو ردّة فعل على فعل، فالعملية بحدّ ذاتها، لم يكن هدفها فقط تصفية معارض له وحسب، بل نقل حالة الإشتباك إلى عمق البيئة الشيعية بكل ما تحمله من آثار سلبية.
وما تلا عملية الإغتيال المُدانة من قبل الحزب وبيئته أولاً، من مواقف وتعليقات تجاوزت البُعد السياسي، وصولاً إلى التعرّض للخلفيات الثقافية والإجتماعية، وموروثات الطائفة الشيعية على تنوّعها، يكشف عن نوايا مبيّتة لاستفزاز تلك البيئة أو جرّها إلى ردّة فعل، خصوصاً بعدما لمس من كلام بعض الشخصيات المنضوية ضمن خانة الإعتراض على “حالة حزب الله”، أنها تمسّ أفكاراً وعقائد محدّدة، استُبيحت عبر وسائل الإعلام على نحوٍ واضح وفاضح ومقصود، كما تبع ذلك حملات عبر مواقع التواصل الإجتماعي، وعُمل على ضبطها وضبضبتها تارةً، وتارةً أخرى ضاعت في متاهة بعض الهفوات التي سقط فيها من تولى الكلام.
هذه، تجاوزها “حزب الله” أيضاً بفضل حكمته، ويبقى أن يتجاوز محاولة نقل قضية الإغتيال إلى رقعة التدويل، وهي الغاية التي تتخفّى من ورائها نية لاستهداف ليس فقط الحزب بل بيئته، في سياق طويل من التدويل المستتر الذي يتم تنفيذه عبر “جسر” العقوبات الأميركية وأمور أخرى.
من الواضح أن مسرح الإغتيال السياسي وأجوائه قد تم التحضير لها منذ ما قبل تنفيذ الإغتيال، والمقصود، أجواء نقل القضية اللبنانية إلى التدويل. والمحاولات تنوّعت، من تظاهرات 17 تشرين وما حصل خلالها، إلى تفجير مرفأ بيروت في الرابع من آب الماضي، مروراً بكلام البطريرك الماروني بشارة الراعي حول الدعوة إلى “مؤتمر دولي ترعاه الأمم المتحدة لبحث أزمة لبنان”، وصولاً إلى معضلة تأليف الحكومة، وما يحول حولها من تدخلات دولية وعربية، وهذا كله إنما يندرج تحت خانة تهيئة أو توفير ظروف السعي إلى تأمين وصاية دولية على لبنان عبر اعتماد أساليب متنوّعة، وما خرج على ألسنة المشاركين في تأبين سليم بالإضافة إلى التوجّه لدى عائلته، يوحي بهذا الإتجاه.
لكن توقيت عملية الإغتيال والرقعة التي استُهدف فيها سليم أولاً عبر الخطف، تستبطن إشارات حول توافر مساعٍ لأكثر من محاولة لإلصاق التهمة ب”حزب الله”، وتصل إلى محاولة إظهار منطقة جنوب الليطاني التي تقع تحت خانة “منطقة عمل” قوات “اليونيفيل” وفقاً لمندرجات القرار 1701/2006، على أنها مُستباحة من جانب “الحزب المسلّح”. فالقرار الذي جرى التوصّل إليه عام 2006 كمحاولة لـ”وقف الأعمال الحربية” خلال عدوان تموز، شمل ليس فقط، حظر وجود السلاح ضمن نطاق تلك المنطقة، بل أيضاً دعا إلى توفير حماية للمدنيين من الخطف والإعتداء، وتنفيذ عملية الإغتيال ضمن هذه الرقعة.
ويحمل ذلك على الظنّ أن مسألة التدويل باتت تطلّ برأسها أيضاً من خلال اعتماد الجنوب سبباً لذلك، وهذا لا يمكن فك ارتباطه عن المحاولات الأميركية الجارية لـ”توسيع صلاحيات قوات اليونيفيل” العاملة في هذه المنطقة باتجاه التشدّد، واتباع نماذج عسكرية أكثر صراحة وصرامة، وحتى تتمكن من تسيير الدوريات في القرى المدنية وتفتيش المنازل “المشبوهة”، وهي الأهداف التي عملت الإدارة الأميركية على محاولة تمريرها لأكثر من مرة ومناسبة على طاولة مجلس الأمن الدولي خلال موعد تجديد تفويض القوات الدولية، أقلّه خلال الأعوام الثلاثة الماضية.
وعليه، قد يُستغل الحادث من قبل البعض كي يدّعي لاحقاً أن منطقة جنوب الليطاني قد خرجت عن السيطرة، وأن بقاء “اليونيفيل” ضمن حدود الصلاحيات الحالية بات لزوم ما لا يلزم، وبالتالي، فإن استمرار وجود “حزب الله” فيها، يشكّل عاملاً “يقوّض جهود حفظ السلام في المنطقة”.
“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح