كتبت ريتا العضيمي في وكالة “أخبار اليوم”:
لم تأتِ مطالبة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي في “طرح قضية لبنان ضمن مؤتمر دولي خاص برعاية الأمم المتحدة” عن عبث، فبعد سلسلة من مناشداته المتكرّرة للرئيسين ميشال عون وسعد الحريري لحلّ أزمة تشكيل الحكومة بعيداً عن المصالح الشخصيّة والفئويّة، وبعد أن أطلق في السابع عشر من آب الماضي وثيقة “لبنان الحياد الناشط”، وأمام سقوط كلّ الوساطات الدوليّة، لم تعد ترى بكركي حلّاً للحفاظ على “وحدة الكيان وتوفير ضمانات دائمة للوجود اللبناني تمنع التعدّي عليه والمسّ بشرعيّته وتضع حدًّا لتعدّديّة السّلاح”، إلّا باللجوء لمساندة أمميّة تحترم سيادة الدولة وتنقد الشعب.
من الاغتيال الاقتصادي الى الاغتيال السياسي، باتت كلّ المحظورات مُباحة وعلى “عينك يا تاجر”، لا مسوؤل يسأل ولا معنيّ يعتني، إهمال ولّد تفجيراً دموياً من الأكبر في التّاريخ، فقراً لم يشهده الشعب اللبناني حتّى في عز الحروب و”صحّة” بحاجة لإنعاش في دولة كانت تتغنّى بكونها مستشفى الشرق الأوسط. فهل من أمل برعاية دولية تمدّ يد المساندة لشعبٍ باتت أحلامه تقف على استنشاق الهواء في ظلّ حكّام يُشاهدون الموت البطيء ويُكملون دون رفّة جفن لعبة التّحاصص المقيت؟
تطوّر لافت في الموقف الفرنسي المُبادر شبه الوحيد تجاه الساحة اللبنانية حيثُ انتقل الرئيس الفرنسي من مجالسة وانتظار “وعي” المنظومة الحاكمة إثر تفجير الرابع من آب العام المنصرم إلى الكلام عن “التحالف الشيطاني بين السّلاح والفساد”، مُعتبراً أنّ قادة لبنان “لا يستحقّونه” ومع تأكيده أن ما من حلّ للأزمة اللبنانية غير المبادرة التي أطلقها، وأكّد أنّه سيزور لبنان للمرّة الثالثة وسيفعل كلّ شيء لمساندة هذا لشعب.
والدور الفرنسي الذي يعمل بشكل مواظب على تأمين الدّعم الأميركي لصالح لبنان بعد تسلّم الرئيس جو بايدن مقاليد الحكم، ترجم أولى نتائجه من خلال بيان مشترك لوزيريّ خارجية البلدين بعد مرور ستة أشهر على وقوع تفجير مرفأ بيروت حيثُ أكّدا دعمهما الكامل والتام للشعب اللبناني ومطالبتهما القضاء اللبناني بالتخلّص من التدخلات السياسية لإظهار الأسباب التي أدّت إلى وقوع الانفجار و”بسرعة”.
ومن ضمن تصاريح الادارة الأميركية الجديدة، كان لافتاً موقف زعيم الأكثرية الديمقراطية في مجلس النواب الأميركي ستيني هوير إثر إغتيال الناشط المعارض لحزب الله الدكتور لقمان سليم حين أكّد استياءه من “استمرار حضور حزب الله في الحكومة ومنعه تحقيق السلام في لبنان”، مُشدداً على “وجوب محاسبة الحزب على انتهاكاته” واصفاً إيّاه بالمنظمة الإرهابية.
أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش وفي تقريره الأخير نهاية العام المنصرم حول تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم ١٥٥٩، طالب دول المنطقة بإشارة إلى إيران على تشجيع حزب الله بالتحوّل لحزب سياسي مدني ونزع سلاحه، كما دعا الحكومة والقوات المسلحة اللبنانية لاتخاذ كل التدابير اللازمة لمنع “هذا التنظيم” من حيازة أسلحة وبناء قدرات شبه عسكرية خارج سلطة الدولة. وهنا تبدو لافتة تغريدة عضو كتلة التنمية والتحرير النائب أنور الخليل أمس حيثُ أشار إلى إمكانيّة اتّجاه المجتمع الدولي لفرض البند السابع من ميثاق الأمم المتّحدة لفرض الحلّ في حال استمرار الوضع على حالته.
أمّا الخرق الأبرز للمشهديّة، فكان موقف خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في كلمته أمام الجمعية العمومية للامم المتحدة منذ ثلاثة أشهر حيثُ دعا إلى “نزع سلاح حزب الله المقوّض للسيادة اللبنانية”. الرئيس الفرنسي الذي حذّر من ارتكاب خطأ عام ٢٠١٥ عبر استبعاد المملكة العربية السعودية عن الاتفاق النووي مع إيران، قد يكون باباً لعودة الدور السعودي المساند للإدارة الفرنسية في الضغط لوضع لبنان ضمن أولويّات المجتمع الدولي بعد أعوام من ترك الشعب اللبناني في مواجهة يتيمة لِتَبعات الحرب السورية والتمدّد الايراني السّياسي والامني داخل الدولة والمؤسسات.
من البديهي القول أنّ التحرّك الدولي لا يتمّ إلّا بمطالبة شعبيّة داخليّة منتفضة على سلطة تنتقص من حقوق ناسها ووطنها، فهل ستتوافر هذه الأرضيّة بعد ضياعها إثر تقويض ثورة ١٧ تشرين؟ وهل سيُبادر سيّد بكركي بعد عظته التي شابهت نداء أيلول ٢٠٠٠ لرعايتها إسوةً برعاية سلفه للقاء “قرنة شهوان”؟ من الواقعيّة القول أنّ الفرص الوحيدة الماثلة للعيان تنحصر بمناشدات غير منظّمة تُطلقها بعض مجموعات الحراك المدني وتقف عند حدود البيانات، كما خارطة طريق أطلقها حزب “القوّات اللبنانيّة” تبدأ بإنتخابات نيابيّة مبكّرة تُنتج أكثرية تُترجم إرادة الشعب اللبناني وتتّجه لانتخاب رئيس جمهورية جديد وتشكيل حكومة قادرة على انتشال لبنان من أزماته من خلال توحيد الجهود ضمن جبهة معارضة موحّدة الأهداف وأيضاً هذه المبادرة لم يتّضح بعد مدى التّجاوب السّياسي معها والتّرجمة الشّعبيّة لها، مع الاشارة إلى أنّ هذين الحراكَين يحصران حتّى الآن مناشدة المجتمع الدولي في إطار المطالبة بالتّحقيق لكشف حقيقة تفجير مرفأ بيروت.
لا شكّ أنّ المواقف التّصاعديّة التي اعتمدها البطريرك الراعي منذ عام حتّى اليوم لن يتراجع عنها وأنّ الدور التاريخي والوطني لبكركي في إنقاذ لبنان لا يُستهان به وكرة الثّلج التي تبدأ بنداء أو بيان أو عظة من الصّرح الذي واجه أعتى الاحتلالات والوصايات والحروب لا تقف البتّة عند حدود الكلام.