مصر “تعود” إلى لبنان: شراكة مع المبادرة الفرنسية

كتب خالد البوّاب في “أساس ميديا”:

كانت زيارة الرئيس سعد الحريري إلى جمهورية مصر العربية لافتة ومهمة في المضمون والتوقيت. سعى الحريرى إلى تأكيد حضوره العربي، فيما سعت مصر إلى تثبيت اهتمامها بلبنان تحت سقف واضح عنوانه الحفاظ على الإستقرار لحماية الكيان، حماية الدستور، والتعاطي بواقعية بما يحمي العيش المشترك ولا يدخل البلاد في صراعات تغذي الطائفية والمذهبية. سياسة مصر العربية واضحة في حماية بنية الدولة المركزية، وما ينطبق في لبنان ينطبق على التوجهات المصرية في كل المنطقة، من سوريا إلى العراق وليبيا وغيرها.

جاءت الزيارة بعد تحركات متعددة أقدمت عليها الديبلوماسية المصرية على الساحة اللبنانية، وهنا لا بد من العودة إلى تفجير مرفأ بيروت. يومها استنفرت مصر كل جهودها لتقديم المساعدة، استذكرت حقبة شباط العام 2005 واغتيال الرئيس رفيق الحريري، تلك العملية التي أدت إلى حدوث زلزال في لبنان، ودفعت بكل دول العالم إليه.

مع تفجير المرفأ حضر الكون كلّه في لبنان، والجميع أبدى الإستعداد للمساعدة، لكنّ اللبنانيين أهدروا الفرصة. بحسب القراءة المصرية لا بد من استمرار تقديم الدعم لحماية الدولة ومنع انهيارها وتحللها، خصوصاً أنّ الأزمة تهدّد بانهيار سحيق، ولا يمتلك اللبنانيون إلا خياراً واحداً من ثلاثة، تفرض على الدول التي تعيش أزمة مشابهة.

تلك الخيارات هي:

1 – أن تقدم الدولة على اتّخاذ تدابير بحقّ تحويلات كبار الأغنياء إلى الخارج والحجز على أموالهم وهذا لا يمكن أن يحصل حتى الآن، فقانون “الكابيتال كونترول” لم يتم إقراره حتّى الآن.

2 – الحصول على مساعدات من دول الخليج العربي أو من جهات دولية مانحة، وهذا أمر مستحيل في ظل الظروف السياسية وبسبب حزب الله وإيران.

3 – خيار الذهاب إلى صندوق النقد الدولي والذي يفرض شروطاً قاسية لا بد من تطبيقها بحذافيرها تقنياً وحتى الآن لم يتمكن لبنان من وضع خطّة واضحة.

تقول المصادر إنّ المفاوضات التي أجرتها حكومة حسان دياب مع الصندوق لم تكن مفاوضات جدية إنّما جلسات إستطلاع، والصندوق يعلم أنّ مثل حكومة دياب لن تتمكن من اتّخاذ أي قرار ولا تنفيذ أي مطلب، وهناك رهان على تشكيل حكومة جدية. من هنا يأتي الدعم المصري لحكومة جديدة وفقاً للمبادرة الفرنسية، مع التشديد على أنّ كلّ الوزراء يجب أن يكونوا مقبولين من المجتمع الدولي، خصوصاً وزراء الإقتصاد والإتصالات والطاقة، لأنّ هذه الوزارات تعتبر وزارات للموارد وليست للإنفاق.

مصر الحريصة على حماية لبنان، كانت من أبرز الدول التي عملت على تقديم المساعدات، وهي على قناعة بأنّ مؤتمر الدعم الذي دعا إليه الرئيس الفرنسي قبل أشهر، أعلنت الدول من خلاله انسحاباً أخلاقياً من تقديم أي مساعدة للبنان، وهذه تعتبر في السياسة استقالة أخلاقية، واستبدال المساعدات الإقتصادية بمساعدات إنسانية لتخفيف الخسائر على اللبنانيين، هي نظرة تقود إلى خلاصة وحيدة، وهي أنّه لا مجال إلا بتشكيل حكومة مغايرة لكل الحكومات السابقة.

هذا أحد الجوانب التي بُحثت خلال زيارة الحريري إلى القاهرة، خصوصاً أنّ الحكومة يجب أن تكون غير خاضعة لمعايير الثلث المعطل. أوّل حكومة تشكل قطعاً مع ما كرسه إتفاق الدوحة، وحزب الله يتمثل فيها بوزراء غير مباشرين، وهذا بحدّ ذاته يشكل تطوّراً لا بد من الإستفادة منه. لذلك فإنّ أهم ما تم التشديد عليه أمام الحريري:

– التمسك بالمبادرة الفرنسية وعدم تحويرها أو تفريغها من مضمونها.

– تشكيل حكومة لا يمتلك أي طرف فيها الثلث المعطل ولا تكون حكومة مسيسة.

– عدم تقديم أي تنازل يمس بالدستور.

– الإستفادة من مواقف قوى سياسية متعدّدة ترفض تكريس أعراف جديدة في الممارسة السياسية.

– تعزيز منطق الإعتدال وعدم تقديم تنازلات من شأنها أن تشعر أّي طائفة بالغبن ما يؤدي إلى فتح الباب ليتسرّب التطرّف.

لا يخفى التكامل المصري مع المبادرة الفرنسية. منذ اليوم الأوّل لإطلاق الرئيس الفرنسي مبادرته، كانت مصر حاضرة في صلبها، والتنسيق دائم ومستمر. حصل اختلاف واحد عندما تدخل ماكرون للضغط على الحريري ومطالبته بالتنازل عن وزارة المال للثنائي الشيعي، بعدها سعت فرنسا إلى إعادة إصلاح العلاقة، لا سيما خلال اللقاء الذي عقد بين الرئيسين ماكرون وعبد الفتاح السيسي في باريس. يمثل لبنان مصرياً وفرنسياً أهمية استراتيجية، تتعلق بمستقبل سوريا، وبالحفاظ على الدولة الوطنية فيه، خصوصاً أنّه الدولة الأساسية على البحر الأبيض المتوسط، والذي يجب فيه تكريس الأمن المتوسطي شمال المتوسط وجنوبه، وهذا ما تقوم به مصر مع فرنسا من ليبيا إلى لبنان وقبرص واليونان.

مصر ليست في وارد التراجع أو التخلي عن لبنان، تحت سقف الأمن القومي العربي، وتعزيز العروبة التي تحمي منطق الدولة بدلاً من السعي إلى تفتيتها. وهذه تمثّل أولوية مصرية برزت في موقف أطلقه السفير المصري من الصرح البطريركي في بكركي، حين شدّد على ضرورة حماية الدستور، وعدم تكريس أعراف جديدة من شأنها أن تفتح الطريق أمام الفراغ وتبرره.

في ردّ غير مباشر على طروحات سياسية يتقدّم بها رئيس الجمهورية وفريقه، من خلال المطالبة بالثلث المعطل تحسباً لحصول فراغ رئاسي، كان الموقف المصري في غاية الوضوح، بالقول إنّ من يقترح مثل هذه الطروحات، هو الذي يفتح الطريق امام الفراغ، ويكون الفراغ مشروعه، ولذلك أطلق موقفه بأنّ بكركي حامية الدستور. وهذا بتوافق كامل مع البطريرك الماروني بشارة الراعي الذي يرفض أن يكون في موقع يجعله إلى جانب طرف بوجه الأطراف الآخرين.

تبني مصر موقفها في لبنان على مرتكزات أساسية لا يمكن الحياد عنها:

1 – دعم الدولة ومؤسساتها.

2 – عدم التعاطي بأي منطق طائفي.

3 – مجانبة الرهان على التدخلات الخارجية، وتحييد لبنان عن الإستقطابات الإقليمية لأنّه لا يمكن الرهان على مسار العلاقات الأميركية الإيرانية.

4 – تشكيل حكومة مهمة بأسرع وقت ممكن وفق المعايير الدولية، وتكون مصغرة مؤلفة من اختصاصيين، تعمل على تطبيق الإصلاحات اللازمة.

5 – الحفاظ على الدستور وعدم تجاوزه أو اختطاف الإستحقاقات لأهداف سياسية.

بالنسبة إلى الموقف من إيران، فإنّ التوجه المصري واضح: النظر إلى إيران ينطلق من خلفيات الحفاظ على المصالح العربية، وهو ينطبق على إسرائيل وتركيا أيضاً. ولا بد من مواجهة أيّ جهة إقليمية تحاول الدخول إلى الفضاء العربي وتحويله إلى دائرة نفوذ. هذا مبدأ يقوم على أساس تعزيز الأمن العربي ومفهوم العروبة وهذا سيتجسّد من خلال جملة مؤتمرات ستدعو إليها القاهرة أولها على مستوى وزراء الخارجية الأسبوع المقبل للبحث بالأمن القومي العربي والقضية الفلسطينية، وثانيها مؤتمرات حول ملفات أخرى من بينها ليبيا وسوريا، ولا مانع من القيام بخطوة أيضاً لتنظيم لقاء عربي للبحث في الملفّ اللبناني.