تكامل أميركي – فرنسي يريح “الحزب” والحريري

كتب منير الربيع في “المدن”:

واضح هو التكامل الأميركي – الفرنسي في بيان وزيري خارجية البلدين حول الملف اللبناني. وفي البيان نقاط لافتة أولها وأهمها: تحميل مسؤولية التدهور الحاصل للقوى السياسية كافة، بلا تمييز بين طرف وآخر. بل المساواة بينها كلها، كحزب الله مثلاً وحزب الكتائب!

أحزاب لبنانية متساوية
هذا مؤشر خطير لا بد من التوقف عنده. خصوصاً أن البيان جاء بعد ساعات على اغتيال الناشط المعارض لحزب الله، لقمان سليم، وبعد بيانات صدرت عن الأميركيين والفرنسيين تدين عملية الاغتيال. وعلى الرغم من أن أصابع الاتهام وجهت فوراً إلى حزب الله (وهناك وجهة نظر الحزب إياه القائلة إن جهات محلية وخارجية استثمرت ضده في الجريمة، وهو حتماً يقصد الولايات المتحدة وحلفاءها)، لم يتضمن البيان أي تمييز بين حزب الله كمتهم في هذه الجريمة وأمثالها، وبين القوى السياسية الأخرى التي لا صلة لها بأي عملية من هذا النوع.
هذا التعميم والتساوي بين القوى السياسية، ينطوي على احتمال من إثنين: إما أن القوى الدولية (واشنطن وباريس) توصلت إلى قناعة مفادها إن القوى السياسية اللبنانية مجتمعة لم تعد مقبولة خارجياً، ولا بد من استمرار الضغط عليها حتى تنهار، تمهيداً لرحيلها والمجيء بطبقة سياسية جديدة.

لكن هذا احتمال غير واقعي، يتطلب وقتاً مديداً، ليس سهلاً، نظراً للواقع الاجتماعي والشعبي والطائفي والسياسي في لبنان. أما الاحتمال الثاني، فهو اعتبار حزب الله حزباً سياسياً مماثلاً للأحزاب السياسية الأخرى، ويتقاسم مثلها ومعها بالتساوي مسؤولية الأوضاع في لبنان. وبالتالي لا بد من التصرف معه بواقعية كسواه من الأحزاب الأخرى.

واشنطن تتبنى موقف باريس
وقد تكون هذه النظرة وليدة المرحلة الجديدة المقبل عليها لبنان، بناءً على توجهات إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن. وهناك معلومات تؤكد تبنّي الإدارة الأميركية الجديدة الطروحات الفرنسية تجاه لبنان، وأن واشنطن منحت باريس تفويضاً فيه، فيما يعلن الفرنسيون صراحة نيتهم العمل على لعب دور الوسيط في المفاوضات الأميركية – الإيرانية.

هذا الوجهة تريح حزب الله نسبياً. فالتوجه الفرنسي واضح بعدم استبعاده من أي حكومة. وهناك من يعتبر أن الموقف الأميركي البديهي الجديد هو العودة إلى سياسة جورج بوش الأب: بناء أكبر تحالف ممكن لمواجهة الخصوم، وفي طليعتهم الصين. ومثل هذا التحالف يحتاج إلى استمالة إيران وبناء تفاهم أميركي معها. وهذا رهان إيراني واضح في هذه المرحلة.

هذه سياسة تناسب حزب الله في لبنان، وكذلك إيران. لكن ليس إلى حد منحهما ما حصلا عليه أيام الاتفاق النووي الأول في العام 2015. هناك متغيرات متعددة حصلت: أولها دخول عناصر قوة جديدة على المنطقة، كروسيا وتركيا. وعندما أُبرم الاتفاق النووي، لم تكن روسيا قد دخلت إلى سوريا، ولم تكن تركيا حققت مكاسب سياسية في سوريا وأذربيجان وليبيا.

هذه الوقائع ماثلة وتفرض نفسها. في المقابل لم يكن هناك أي أثر لاتفاقيات التطبيع الخليجية – الإسرائيلية، والتي تفرض نفسها على أي مفاوضات أميركية – إيرانية في المرحلة المقبلة.

حريري عون حزب الله
وشدد البيان الفرنسي – الأميركي حول لبنان على ضرورة الكشف عن نتائج التحقيق في تفجير المرفأ. ولم يشر البيان قط إلى أداء الأجهزة الأمنية اللبنانية، خصوصاً بعد ما جرى في طرابلس واغتيال لقمان سليم.

وهذا يقود إلى احتمال من اثنين: إما أن باريس وواشنطن لم تعد راضية عن الأجهزة الأمنية، وتساويها بالطبقة السياسية. وهذا له مفاعيل وارتدادات وتداعيات. والاحتمال الثاني هو أن تكون عدم الاشارة إلى الأجهزة الأمنية والعسكرية نوعاً من التحول في الموقف الأميركي، الذي كان يراهن على مواجهة القوى العسكرية والأمنية لحزب الله.

من المؤكد أن المرحلة المقبلة ستشهد المزيد من التغييرات السياسية في السلوك الدولي والإقليمي حيال لبنان والمنطقة. وقد تشهد عملية تشكيل الحكومة المزيد من الدفع والضغوط لتشكيلها.

وبناء على هذه الوقائع، يبدو الحريري مرتاحاً نسبياً للتوجهين الفرنسي والأميركي، وبعد زيارتيه إلى الإمارات ومصر. وهو يؤكد أنه لن يتنازل. حزب الله بدوره في وضع مريح، وهو متمسك بالحريري، ويفضل الانتظار نسبياً.

لكن العقدة الأساسية الكأداء تبقى هناك لدى رئيس الجمهورية: ما الذي يمكن أن يحققه مع الإدارة الأميركية الجديدة؟ وأي وقائع يستطيع فرضها لحماية موقعه وحصته؟ لذلك يصر على حكومة من عشرين وزيراً.

وحتى الآن لا بوادر تفاهم، إلا في حال تساوت الضغوط الخارجية والداخلية، وأدت إلى تقديم تنازلات متبادلة.