أين ذهبت مليارات الكهرباء في لبنان؟

في ظلّ الأحداث غير العادية التي شهدتها طرابلس، عاصمة الشمال اللبناني أخيرا، وفي ظلّ سعي رئيس الجمهورية ميشال عون إلى التملّص من المبادرة الفرنسية في شأن الحكومة اللبنانية المطلوب تشكيلها، ثمّة حلقة مفقودة لا يتحدّث عنها أحد في لبنان.

يبدو مطلوبا طمس كلّ ما له علاقة من قريب أو بعيد بهذه الحلقة كي لا يكون هناك ذكر لاسم جبران باسيل صهر رئيس الجمهورية الخاضع لعقوبات أميركية بموجب قانون ماغنتسكي المتعلّق بالفساد.

اسم هذه الحلقة المفقودة المليارات من الدولارات التي ضاعت بسبب إصرار جبران باسيل أن تكون وزارة الطاقة في جيبه منذ العام 2009، أي منذ اثني عشر عاما عندما كان جبران وزيرا للطاقة.

عندما ترك جبران الطاقة، صار مطلوبا أن يشغلها أحد مساعديه. وهذا مستمرّ إلى الآن.

غريب كيف ارتفع الدين العام إلى نحو مئة مليار دولار بسبب ملفّ الكهرباء الذي كلّف 50 مليارا، فيما لا يوجد من هو على استعداد لطرح سؤال بسيط في شأن هذا الأمر. من الواضح أن هناك لعبة تدور في البلد منذ سنوات عدّة. اسم هذه اللعبة السلاح الذي يحمي الفساد والفساد الذي يغطي السلاح. هذا السلاح فرض جبران باسيل وزيرا في الماضي وفرض ميشال عون رئيسا للجمهورية في العام 2016. هناك محاولة مستمرّة لفرض جبران على اللبنانيين في لعبة مكشوفة. تقوم هذه اللعبة على تجاهل أي علاقة له من قريب أو بعيد بملفّ الكهرباء وما يعنيه على صعيد تحميل الدولة اللبنانية فوق طاقتها وزيادة دينها العام.

مخيف أن في لبنان رئيسا للجمهورية وصهرا، يتحكّمان بالجمهورية، لا يريدان أخذ العلم بما يعنيه انهيار النظام المصرفي اللبناني وخطورة تفجير ميناء بيروت وأبعاده على المجتمع المسيحي خصوصا وعلى اللبنانيين عموما. كلّ ما يهمّ الرئيس والصهر حلول جبران باسيل مكان ميشال عون عندما تنتهي ولاية الرئيس. إنّهما يعيشان في عالم خاص بهما كما لو أن لبنان في وضع طبيعي يستطيع الصمود في حال التجديد لـ”عهد حزب الله” ست سنوات أخرى في السنة 2022.

ما كشفته أحداث طرابلس والعنف الذي تخلّلها أن العهد القائم عاجز عن أخذ العلم بما يدور في لبنان، خصوصا في مدينة هي أفقر مدن البحر المتوسط حسب الدراسات الدولية. هناك مدينة لبنانية يعيش أهلها، في معظمهم، في حال من الفقر المدقع. لا يستطيع هؤلاء البقاء في منازلهم طويلا احتراما للحجر الذي فرضته الدولة بسبب وباء كورونا (كوفيد – 19). من لا يعمل لا يأكل في طرابلس. يفكّر المواطن الفقير في تلك المدينة بلقمة العيش بشكل يومي في دولة أصبح قرارها أسير “حزب الله” وأصبح همّ رئيس الجمهورية محصورا في كيفية توريث صهره رئاسة الجمهورية. الأكيد أن ما حصل في طرابلس أخيرا ليس طبيعيا. من أين أتى المندسون الذين أحرقوا المؤسسات العامة؟ لماذا لم يوجد من يردعهم؟

لا يمنع هذا الوضع من قول الأشياء كما هي. في مقدّم ما يفترض قوله إنّه إذا استمرّت الأمور على حالها، لن تكون هناك رئاسة للجمهورية قابلة للتوريث في 31 تشرين الأول – أكتوبر 2022، لدى انتهاء ولاية ميشال عون. نقل عهد ميشال عون الذي سمّى نفسه “الرئيس القوي” لبنان من فشل إلى فشل. بين أسباب هذا الفشل جبران باسيل الذي اعتبر نفسه فوق الشبهات بسبب حماية سلاح “حزب الله” له واعتقاده أن الحزب، الذي ليس سوى لواء في “الحرس الثوري” الإيراني، سيوصله إلى رئاسة الجمهورية، تماما كما فعل عندما فرض ميشال عون رئيسا في العام 2016.

بغض النظر عمّا إذا كان هناك شيء ما سيبقى من الجمهورية في 2022، توجد أسئلة في غاية البساطة لا مفرّ من طرحها. معظم هذه الأسئلة مرتبط بالأسباب التي جعلت جبران باسيل يتمسّك بوزارة الطاقة وملفّ الكهرباء الذي يكلّف لبنان مليارات من الدولارات في حين أنّه كان يمكن أن يكون قطاعا رابحا؟ السؤال محيّر مثلما هو محيّر لماذا لم تتدخل القوى الأمنية الفاعلة، في مقدّمها الجيش، لمنع المندسين من إحراق مبنى بلدية طرابلس ليل الخميس – الجمعة؟

في الواقع أن العهد كلّه، برأسيه ميشال عون وجبران باسيل، هو عهد الأسئلة المحيّرة. من بين الأسئلة المحيرة، لماذا هذا التمسّك بملف الكهرباء ولماذا هذا الإصرار على عرقلة أي مشروع كان يمكن أن يساعد لبنان كي يصبح دولة طبيعية فيها كهرباء 24 ساعة على 24 ساعة؟

ليس بعيدا اليوم الذي ستتكشف فيه الحقيقة. ليس بعيدا اليوم الذي سيعرف فيه اللبنانيون لماذا رفض جبران باسيل عرض الصندوق الكويتي في ما يخصّ الكهرباء، على الرغم من أنّه عرض مغر وفي مصلحة الخزينة اللبنانية إلى أبعد حدود. يُفترض في اللبنانيين أيضا معرفة لماذا كان الاعتراض على تولي شركة “سيمنز” الألمانية ملفّ الكهرباء في لبنان وقد أتى رئيس الشركة إلى بيروت برفقة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في زيارتها للعاصمة اللبنانية في حزيران – يونيو 2018.

قبل ذلك، لماذا عرقل ميشال عون وجبران باسيل كلّ مشاريع مؤتمر “سيدر” الذي انعقد في باريس في نيسان – أبريل 2018؟

بعد عرقلة مشاريع “سيدر” خدمة لأهداف خاصة، لا يعود مستغربا ألّا يكون هناك اهتمام بأن تعود الكهرباء إلى لبنان وأن يظلّ همّ “عهد حزب الله” محصورا بكيفية إفقار البلد ونشر البؤس والظلام والظلمة والجهل فيه كي تسهل السيطرة عليه.

كذلك، بعد عرقلة مشاريع “سيدر”، لا يعود مستغربا رفض ميشال عون وجبران باسيل حكومة “اختصاصيين” حقيقيين في لبنان برئاسة سعد الحريري ووفق المواصفات الفرنسيّة المعروفة. مثل هذه المواصفات تجعل الكهرباء وغير الكهرباء في عهدة أشخاص تهمّهم مصلحة لبنان واللبنانيين وليس مصلحتهم الخاصة ولا شيء آخر.

قدر لبنان أن يعيش من دون حكومة إلى نهاية العهد في حال بقيت الأمور على حالها. هذا لا يعني أن الأمل مفقود تماما في إنقاذ ما يمكن إنقاذه، خصوصا إذا بدأت جهات دولية نافذة في البحث عن الحلقة المفقودة التي اسمها ملفّ الكهرباء في لبنان… وهي حلقة تحتاج أوّل ما تحتاج إلى كشف أين ذهبت المليارات من الدولارات التي صرفتها وزارة الطاقة الباسيلية بحثا عن كهرباء غير موجودة!  

بقلم خيرالله خيرالله