في نظرة سريعة للسير الذاتية للوزراء الجدد يتبّين أنهم تكنوقراطيون بإمتياز. وكان من الممكن أن يرضوا الشارع، الذي يطالب بهكذا نوعية من الوزراء لو لم تسمهم أحزاب 8 آذار، ولو كانوا مستقّلين.
أمّا وقد سمّى كل حزب من ينتمون إلى بيئتهم، حتى ولو لم يكن هؤلاء الوزراء حزبيين بالمعنى الحصري للكلمة، فإن الشارع الذي تحرّك فور إعلان ولادة الحكومة رفضها بالمطلق، حتى قبل أن يرى ما يمكن أن تقدم عليه الحكومة الجديدة، وذلك إنطلاقًا من مبدأ رفض تغطية الأحزاب لها، لأن المنتفضين يحمّلون مسؤولية ما آلت إليه أوضاع لبنان المتأزمة لهذه الأحزاب، التي توالت على السلطة منذ سنوات طويلة، إذ لا يمكن الركون، وفق منطق الشارع، إلى ما يمكن أن يقدم عليه هؤلاء الوزراء المغطّون حزبيًا، بإعتبار أن من يسيّر أعمالهم وما سيتخذونه من قرارات وإجراءات هم الأحزاب، التي تعود إليها مركزية القرار، إذ سيضطّر الوزراء عند الإستحقاقات الكبيرة للعودة إلى مرجعياتهم، التي لها أهداف قد لا تتلاقى مع أهداف الإنتفاضة.
من هنا يمكن فهم الحركة الإعتراضية للشارع، الذي قال كلمته، والتي لم تلق آذانًا صاغية لدى الذين صاغوا هذه التركيبة الهجينة، والتي تحمل بصماتهم الواضحة، والتي بررّها الرئيس حسّان دياب، في أول موقف له بعد إعلان ولادة الحكومة، بأن هذه الأحزاب هي التي ستعطي الحكومة الثقة، مع محاولاته إسترضاء الشارع المنتفض ودغدغة مشاعره، وذلك عندما خصّ في كلمته الجزء الأكبر لـ”الانتفاضة ـ الثورة، ووصف حكومته بأنها تعبر عن تطلعات المعتصمين على مساحة الوطن خلال ثلاثة أشهر من الغضب، وستعمل لترجمة مطالبهم: باستقلالية القضاء، واستعادة الأموال المنهوبة، ومكافحة الإثراء غير المشروع، وحماية الشرائح الاجتماعية الفقيرة من ظلم الضرائب، ومكافحة البطالة، ووضع قانون جديد للانتخابات يعزز اللحمة الوطنية التي كرستها الساحات، وتأكيد مبدأ المساءلة والمحاسبة التي نتمسّك بها ولا نخشاها.
قد يكون بيان الرئيس دياب صالحًا ومقبولًا لو لم تكن الحكومة حكومة الأحزاب، وحكومة “اللون الواحد”، وحكومة الأمر الواقع، الذي فرضه “حزب الله” على جميع الحلفاء، وهو على إستعداد للتدّخل في كل مرّة يحتاج الأمر إلى هذا التدخل، بعدما تبّين بالعين المجردّة أنه دفع بكل ثقله من أجل أن تبصر الحكومة النور، لدواعٍ خاصة به، ولحسابات تتعدى ظرفية التشكيل بوجهها المحلي.
ومع كل ذلك، يُطلب من الناس إعطاء هذه الحكومة فرصة لتعمل ولتثبت للأقربين والأبعدين أنها آتية لكي تعمل بوحي من هموم المواطنين، الذين لم يتركوا الساحات منذ ما يقارب المئة يوم من دون كلل أو تعب، وهم على إستعداد تام لكي يبقوا في هذه الساحات حتى تحقيق ما يطالبون به، بعدما أصبحت مطالبهم معروفة وواضحة، وهم يردّدونها بإستمرار.
وهنا لا بدّ من تسجيل ما أبداه بعض المنتفضين من إيجابيات حيال الحكومة الجديدة، التي سيمحنونها فرصة أخيرة. فإذا نجحت تكون الإنتفاضة قد حققت ما كانت تصبو إليه، وهي لم تنزل إلى الشارع تحت عنوان “عنزة ولو طارت” أو “تيس حلبو“. أما إذا فشلت فلكل حادث حديث، وبالتالي تكون النزلة إلى الشارع هذه المرّة مجدية وفاعلة أكثر من ذي قبل، وليتحمّل عندها الجميع مسؤوليتهم.