كتبت إيفون أنور صعيبي في “نداء الوطن”: في العادة، يتبع سعر الصرف قاعدة العرض والطلب. هذا طبعاً في قواعد الاقتصاد الحرّ. أما ما يحصل في لبنان في هذا المجال فيشذّ تماماً عن القاعدة، أو بالأحرى كلّ القواعد. من هنا ليس من السليم الإبقاء على سعرَين اثنين للصرف، لما سيُشكّله ذلك من مضاربات ويفتح أبواباً للربح السهل ويُسهّل عمليات تبييض الأموال وتلك الخارجة عن الأطر القانونية، بمعنى آخر تفريخ سوق موازية أخرى… “السوق السوداء” .
لطالما شكّلت مسألة تثبيت سعر الصرف مشكلة عميقة بين صندوق النقد الدولي ومصرف لبنان، ليس هذا الامر وليد الامس القريب بل انه يعود الى عهد رئيس الحكومة الشهيد رفيق الحريري. ولعلّ المفارقة الوحيدة تكمن في اعتبار أن لتثبيت سعر الصرف في تلك الفترة مبررات لاستقطاب الودائع الى لبنان وتوظيفها بسندات الخزينة. لكن هذه الحجج التي أصبحت واهية اندثرت الى غير رجعة عندما بدأت هذه السياسة تهدّد النظامين المالي والاقتصادي. لذا فإنّ تثبيت سعر الصرف يكون لفترة قصيرة وليس تالياً حلاً مستداماً لا سيما وأن له تداعيات خطيرة على “المدّخرات” في اقتصاد مدولر بـ 70% كاقتصادنا.
لا يجوز إذاً المضي بالتغاضي عن وجود سعرين للصرف، واذا استمر الامر على هذا المنوال، عندها سنتأكد من وجود استراتيجية أو، إن صحّ التعبير، خطة مكيافيلية تعتمد سعر الـ 1500 لـ”لولرة” الودائع وتحويلها “ضمنياً” الى الليرة (من دون تغيير عملة الحسابات) وذلك بهدف تخفيض قيمة الخسائر التي تكبّدها “المركزي” ومن خلاله المصارف التجارية نتيجة التمويل العشوائي للقطاع العام. وتعتمد أيضاً على سعر صرف ثانٍ هو السعر الحقيقي والذي نحتاجه لوارداتنا. وتجدر الاشارة الى أن أيّ جهة دولية أكانت صندوق النقد أم غيره، فهي لن تقبل بمساعدة لبنان في ظل وجود هذه “الهرطقة” والازدواجية بسعر الصرف.
أما على الصعيد القانوني، فلا يحق لمصرف لبنان وبحسب قانون النقد والتسليف أن يتدخل في تحديد سعر الصرف في سوق الصيرفة لأن من شأن ذلك أن يُخلّ بالسياسات والتوازنات التي يرتكز عليها الاقتصاد المستدام، كما يفتح المجال أمام المضاربين للإتجار بالعملة النادرة. ويقتصر قانون تنظيم مهنة الصيرفة على مراقبة عمل الصرافين ورخصهم. ذلك يعني أنه عملياً، ليس لمصرف لبنان أية صلاحية لتحديد سعر الصرف في السوق الموازية. لكن وقبل الغوص في مدى قانونية “الاتفاقية” ما بين مصرف لبنان ونقابة الصرافين، دعونا نتطرق الى مضمونها حيث ” تمّ التوافق على تحديد سعر شراء الدولار الاميركي بـ2000 ليرة كحدّ أقصى والتقيّد به من قبل الصرافين المرخّص لهم تحت طائلة إلحاق عقوبات إدارية وقانونية بالمخالفين من قبل السلطات المعنية”.
أولاً، اذا كان هناك قرار “ضمني” بوقف التداول بأوراق الدولار النقدية، نتيجة امتناع المصارف عن تزويد عملائها بها من جهة، أو حتى بسبب فقدانها، فذلك سيزيد من الطلب على الدولار وبالتالي يتضاعف الضغط على سوق الصيرفة، لذا فإن هذا التدبير بحسب عدد من الاقتصاديين لن يصمد طويلاً.
ثانياً، هناك التباس كبير في نصّ البيان فهو يحدّد سعر شراء الدولار من قبل الصرافين ويترك سعر المبيع مفتوحاً.
ثالثاً، بحسب القوانين المرعيّة الإجراء، لا تملك النقابة سلطة على الصرافين، من هنا فإنّ التهديد بالملاحقة القانونية يبقى كلاماً بكلام ربما لتهدئة الشعب الغاضب والثائر. وقد حاولت “نداء الوطن” التواصل مع النقابة للاستحصال على نسخة من النظام الداخلي لمعرفة حدود صلاحياتها وأرسلنا طلباً خطّيا لكنّ الاخيرة لم تستجب للطلب متذرّعة بأن النظام الداخلي سرّي بين النقابة والصرافين المنتسبين. وفي الاطار عينه حاولنا التواصل مع عدد من الصرافين المرخّص لهم والمنتسبين الى النقابة فأنكروا اطلاعهم على مضمون النظام الداخلي.
هكذا، يبدو دور النقابة ضعيفاً في هذا المجال ولا يمكن بالتالي حلّ الموضوع الا من خلال استعادة مصرف لبنان دوره الرئيسي وفرض سياسة نقدية واضحة الأطر لتحديد معالم الفترة المقبلة.
“ليس البيان الا صفحة من الصفحات التي لن تؤدي الى نتائج طويلة الأمد” يقول مصدر مصرفي مختصّ. ويضيف “لا يمكن تحديد سعر الصرف بـ2000 ما لم يعمل مصرف لبنان كما والبنوك التجارية على تخفيض عرض الليرة إلى المودعين. فإذا احتفظوا بعرض الليرة كما هي الحال اليوم، فإن المودعين سوف يعملون على تحويل ليراتهم إلى دولارات وبمعدل ثابت بات 2000 مقابل معدل سابق لامس الـ 2500، وذلك بهدف تقليص خسارتهم الناجمة عن الهيركات غير المقونن”.
باختصار، يشكل هذا الاتفاق إعترافاً رسمياً بالسوق الموازية وإقراراً علنياً بانخفاض قيمة الليرة بنحو 33% وأيضاً دعماً مقنّعاً لسوق ثالثة ستكون من الصرافين غير المرخّص لهم بمزاولة المهنة والذين قد يستمرون بالعمل بلا حسيب ولا رقيب لفترة غير محدودة، أي ما يُمكن تسميته بـ “السوق السوداء”.