قبل إقرار مجلس النواب قانون السماح باستيراد لقاحات كورونا وبعده، دخلت «كورونا» سوق السياسة. مبادرات عدة بدأت، بعضها أُعلِن عنه وأخرى تحاط بالكتمان، لاستيراد اللقاح و«إنقاذ» اللبنانيين من الجائحة.
مبادرات لأحزاب وسياسيين تسعى الى تحويل تهديد الفيروس الى فرصة لرفع الجماهيرية. وهي بدأت مع تسريب معلومات عن جهود يقوم بها رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري للحصول على مليون جرعة من اللقاح الصيني هبة من الحكومة الإماراتية. بصرف النظر عن «الهدف الإنساني» للمبادرة، لا يلغي ذلِك أن هذه المساعي تستبطِن، أيضاً، توظيف الجائحة في خدمة رئيس مأزوم سياسياً وانتخابياً.
المبادرة الحريرية، التي لا تزال نتائِجها مبهمة، لم تُعدّ وحيدة. أول من أمس، أعلن النائب فؤاد مخزومي على حسابه على «تويتر» حصول مؤسسته على موافقة مبدئية من وزارة الصحة على استيراد اللقاح «بهدف تلقيح الراغبين مجاناً». وأمس، طلب رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب من السفير الألماني في بيروت مساعدة لبنان في توفير مليونَي لقاح إضافي. وقبل أيام، وزّعت القوات اللبنانية في بعض مناطق سيطرتها دواء «آيفرماكتين» الذي يُروّج أنه يستخدم في علاج المصابين بالفيروس، ودخلت أيضاً على خط تأمين اللقاح، مع معلومات عن مساعٍ يبذلها رئيسها سمير جعجع لدى مسؤولين إماراتيين لتظفر معراب بالهبة بدلاً من الحريري. لا تؤكّد مصادر القوات هذه المعلومات ولا تنفيها، لكنها تشير إلى أن «داخل الحزب قطاعاً يهتم بالمصالح الطبية، ويتواصل مع الجسم الاغترابي للمساعدة في توفير اللقاحات». وتلفت الى أن «دورنا مكمل لدور الدولة للدفع في تسريع الاستيراد، والتنسيق مع القطاع الخاص، وخصوصاً أن الاستيراد يجب أن يُستتبع بخطوات لجهة التخزين والتوزيع، وهو من اختصاص الشركات الطبية وليس الأحزاب». ويؤكد مسؤولون في مكتب مخزومي أن «مؤسسة مخزومي تعمل حالياً على آلية لتأمين اللقاحات بعد حصولها على الموافقة المبدئية، «ولم تحدّد بعد الجهة التي ستستورد منها اللقاحات». يرفض هؤلاء وضع المبادرة في إطار سياسي، فـ«المؤسسة منذ أكثر من عشرين عاماً تقدّم المساعدات والخدمات وليست بحاجة الى الاستثمار بقضية إنسانية»، مشيرين الى أن «اللقاح لن يُحصر بأهالي بيروت، فالمؤسسة لم تسأل يوماً عن هوية المحتاجين. وهناك داتا يُعمل عليها حالياً لتحديد الفئات الأكثر حاجة للحصول على اللقاح».
صحيح أن تفكّك الدولة وغياب المؤسسات والتخبّط الذي تعيشه في مواجهة كورونا يجعل أي مبادرة، ومن أي طرف، عاملاً مساعداً لفرملة عدّاد الإصابات كما عدّاد الموت. لكن، هل يُمكن إخراج هذه المبادرات من إطارها السياسي؟ في لبنان كل شيء قابل للتوظيف. حتى صحة الناس يُمكن الاستثمار فيها سياسياً وانتخابياً. وتهافت أطراف سياسية للحصول على اللقاحات يدخل في سياق اللعبة المعهودة لاستقطاب الولاءات. وفي هذا السياق، يبدو التنافس جلياً، بأبعاد سياسية وانتخابية، بين الحريري ومخزومي. إذ معلوم أن الأخير مرشّح دائم للرئيس ميشال عون لتأليف الحكومة. فهل فتح الباب أمام مبادرة رئيس حزب الحوار الوطني، بمعزل عن الأهداف الإنسانية للمؤسسة، يأتي في سياق التقليل من حجم مبادرة الرئيس المكلف وضرب ما يحاول تصويره على أنه الأقدر على المساعدة؟ وهل تعتبر محاولة القوات الالتفاف على مبادرة الحريري جهوداً لضرب عصفورين بحجر واحد؟ أي إثبات أن علاقتها بدول الخليج أفضل من علاقة الحريري معها، والظهور في الشارع المسيحي بصفتها الأحرص والأقدر على المساعدة بما يخدم حملتها ضد التيار الوطني الحر؟ لا شك بأن ما من عمل يقوم به السياسيون في البلد إلا كانت في تفاصيله مصلحة شخصية، هذا ما ستؤكده الوقائع يوم وصول اللقاحات من خلال المستفيدين منها، وسيتبيّن حينها إن كانت مبادرات وطنية أو خاضعة لحسابات ضيقة.
المصدر: الأخبار ـ ميسم رزق