يوضَع “التيار الوطني الحر” في قفص الاتّهام، ويبدو “جسمه” على هذا الصعيد أكثر من “لبّيس”. يُقال إنّه من يعرقل تأليف الحكومة، بشروطه التعجيزية، ومطالبه التي لا تنتهي، بل إنّه يعتمد “تكتيك” إحراج الرئيس المكلَّف سعد الحريري، تمهيدًا لـ “إخراجه”.
قد لا تكون مثل هذه الاتهامات “عبثيّة”، إذ لا يخفى على أحد أنّ “التيار” لا يحبّذ حكومةٍ برئاسة الحريري، بعدما فُقِدت الثقة بشخصه بالكامل، عقب “انقلاب” الرجل على التسوية الرئاسية، وفق ما يتّهمه “العونيّون”، بعيد انتفاضة السابع عشر من تشرين الأول 2019، وما ولّدته من تغييرات وردود فعل على أكثر من صعيد.
وتصبح هذه الاتهامات أكثر قرباً من الواقع، حين تقترن ببعض المفارقات والمحطات الأساسيّة، التي كان آخرها الفيديو المُسرَّب لرئيس الجمهورية ميشال عون، وهو يتّهم الحريري بـ “الكذب” صراحةً ومباشرةً، علمًا أنّ هناك بين “المستقبليّين” من يجزم بأنّ “التسريب” لم يكن عفويّاً، ولا ناتجاً عن خطأ غير مقصود مثلاً، وإنما كان “متعمَّداً”، بهدف دفع الرئيس المكلَّف للاعتذار.
“كسر الهيبة”
لكن، بالنسبة إلى “التيار الوطني الحر”، تبدو القضية مختلفة تماماً، إذ تشدّد أوساطه على أنّ الحريري هو من يسعى لإضعاف “العهد”، بل كسر “هيبة” رئيس الجمهورية، فضلاً عن “إقصاء” الفريق المسيحيّ الأقوى، بمعاييره المزدوجة وغير العمليّة.
وتتوقّف هذه الأوساط عند حادثة “الفيديو المُسرَّب” كنموذجٍ لتوضيح وجهة نظرها، حيث تشير إلى أنّ الحريري حوّلها إلى “مطيّةٍ” لتبرير “اعتكافه” غير المُعلَن عن مواصلة البحث في الملف الحكوميّ، وهو يرفض المبادرة إلى الاتصال برئيس الجمهورية لترتيب موعدٍ، ينبغي أن يكون بديهيّاً، إذا كان يرغب فعلاً في تأليف حكومة بموجب المبادرة الفرنسية.
وتقول أوساط “التيار” إنّ نوايا الفريق “المستقبليّ” تصبح “مفضوحة” عندما لا تترّدد بعض الدوائر المحسوبة عليه بالمطالبة بـ “اعتذار” رئيس الجمهورية على ما بدر عنه من “إساءة”، وفق توصيفها، وهو مطلبٌ لا يُفسَّر سوى أنّه محاولة لـ “ضرب” الرئيس القويّ، معنويّاً وأخلاقيّاً وسياسيّاً، مع إصرارها على أنّ الرجل لم يخطئ أصلاً حين قال ما قاله، بل وصّف واقعاً موجوداً، ولو تمّ ذلك بأسلوبٍ اعتبره البعض “فجّاً”.
مَن يريد “إقصاء” مَن؟
أبعد من ذلك، يذهب “العونيّون” بدحض تهمة “الإقصاء” عن أنفسهم، فحتى لو أنّهم غير راضين عن تكليف الحريري، ولا يعتبرونه المؤهَّل لقيادة حكومة “اختصاصيّين”، وهو السياسيّ من الطراز الأول، إلا أنّهم لم يتعاملوا معه أبدًا على أساس أنّه غير موجود، أو لا يتمتّع بحيثيّة تمثيليّة معيّنة.
ومع أنّ “العونيّين” حذّروا منذ اليوم الأول من السيناريو “التعطيلي” الذي وصلت إليه الأزمة الحكوميّة، ولا يفوّتون فرصة إلا ويعتبرون فيها “اعتذار” الرجل مَدخَلاً للبحث بأيّ “مَخرَجٍ” فعليّ للأزمة، إلا أنّهم يشدّدون على أنّ الحريري هو من يريد “إقصاءهم”، فيغيّبهم تارةً عن استشاراته الحكوميّة، ويرفع “فيتوات” غير منطقيّة ولا مقنعة، تارةً أخرى، في وجههم.
وتذكّر أوساط “التيار” في هذا السياق، أنّه في حين كان الوزير السابق جبران باسيل يبدي “الانفتاح” لتسهيل مهمّة الحريري، ويتجاوز العوامل “الشخصيّة” ويلتقيه شخصيًا خلال الاستشارات غير الملزمة في مجلس النواب، كان الرئيس المكلَّف يقفل الأبواب في وجهه، ويعتمد معه معايير لا تتقاطع البتّة مع تلك التي منحها لمكوّناتٍ أخرى، أعطى قادتها وزعماءها “الكلمة الفصل” في طبيعة الوزراء المحسوبين عليها.
ثمّة من يقول إنّ حُجّة “التيار” ضعيفة، فكلّ الأضواء مسلَّطة عليه وعلى مطالبه، التي تراوحت بين ثلثٍ معطّلٍ هنا، ونوعيّة حقائب هناك، وأسماء “استفزازيّة” بينهما. وثمّة من يعتبر أنّ رئيس الجمهورية “أخطأ” بطريقة تعامله مع الرئيس المكلَّف، بما لا يليق بالموقع. وفي المقابل، ثمّة بين “العونيّين” من يتحدّث عن “مظلوميّة” يتعرّضون لها، عن سوء نيّة، ليبقى المُواطن، كالعادة، المظلوم الوحيد وسط كلّ هذه المعمعة…
“حكومة المهمّة” عالقة بين حدّين.. معارضون للحريري: الزواج من عروس مجهولة مرفوض!
هل أُطلقت رصاصة الرحمة على إمكانية بلوغ خط التفاهم على تشكيلة حكومية؟
المصدر: لبنان 24