تشهد الولايات التركية عمليات متواصلة لتهريب القطع الأثرية والمتاجرة بها. وعلى الرغم من غياب أي معلومات رسمية تكشف المصدر الأصلي لهذه القطع، أكدت تقارير سابقة عبورها من الأراضي السورية عبر مهربين كانوا قد امتهنوا هذه التجارة، مستغلين بذلك حالة الفلتان الأمني وعدم الاستقرار التي تشهدها جميع المناطق الواقعة على الحدود السورية- التركية.
آخر عمليات التهريب تم الكشف عنها الأربعاء، وقالت السلطات التركية في بيان إنها ضبطت نسخة أثرية من الإنجيل يقدر عمرها بـ650 عاما، في ولاية تكيرداغ، شمال غربي البلاد.
وأوضحت وسائل إعلام تركية أن “قوات الدرك” تلقت في الأيام الماضية معلومات تفيد بمحاولة شخصين بيع نسخة إنجيل تاريخية مقابل 3 ملايين دولار، ما دفعها لإطلاق عملية أمنية للقبض عليهما.
وتواصل أفراد من الدرك مع الشخصين، حسب وسائل الإعلام وتظاهروا بأنهم زبائن يرغبون بشراء هذه النسخة الأثرية، المخطوطة على جلد غزال، ليتبع ذلك إلقاء القبض عليهما في أثناء محاولتهما بيعها.
وعرضت وكالات رسمية تسجيلات مصورة لنسخة الإنجيل الأثرية التي ضبطتها السلطات التركية، وأظهرت تفاصيل دقيقة، بينها صلبان محفورة على الجلد ورسومات غيّرت الأعوام السابقة من ملامحها.
وتأتي الحادثة بعد سبعة أشهر من وقوع حادثة أخرى مشابهة، إذ أعلنت، حينها، السلطات التركية في ولاية أضنة جنوبي البلاد ضبط خمسة تماثيل صغيرة يُعتقد أنها آثار تاريخية. وقالت إنها أوقفت مواطنا سوريا يشتبه بعلاقته بعملية التهريب.
وأضافت وكالة الأناضول شبه الرسمية في ذلك الوقت أن فرق مكافحة التهريب والجرائم المنظمة في أضنة تابعت تحركات المشتبه به، إثر بلاغ حول تهريبه آثارا من سوريا، ومحاولته بيعها في تركيا، موضحة أن الأمن التركي ضبط خمسة تماثيل بداخل حقيبة في خزانة غرفة النوم، ونُقلت الآثار إلى مديرية المتاحف في أضنة لإجراء الفحوص عليها.
عملية ضبط التماثيل الأثرية كان قد سبقها في أقل من عام ضبط نسختين أثريتين من التوراة قبيل بيعهما في ولاية بلجيك شمال غربي البلاد، حسب ما قالت السلطات التركية في بيان أواخر عام 2018، مشيرة إلى أن النسختين منقوشتان على جلد غزال ومطرزتان بالذهب وأحجار الزمرد والياقوت.
وحسب ما قالت مصادر أمنية لوكالة “الأناضول”، فإن نسخ التوراة كانت موجودة ضمن سيارة لخمسة مهربين قادمة من مدينة إسطنبول، ومن المتوقع أن يعود عمرهما إلى ما قبل الميلاد.
“كتاب أثري بلغة عبرية”
في معظم بياناتها الأمنية تقول السلطات التركية إن القطع الأثرية التي يتم ضبطها، على اختلاف المصدر الذي خرجت منه، يتم تسليمها إلى دوائر المتاحف الموجودة في جميع الولايات التركية، وهو الأمر الذي كان قد انطبق على عمليات الضبط المذكورة، إلى جانب العملية “الأشهر” التي تم الكشف عنها، في مارس 2019.
وفي ذلك الوقت أعلن الأمن التركي أنه ضبط كتابا أثريا مكتوبا بلغة عبرية تم تهريبه من سوريا، وكان بحوزة شخصين في ولاية قرشهير وسط البلاد. وذكرت وسائل إعلام رسمية نقلا عن مصادر أمنية أن الكتاب سرق من إحدى المتاحف السورية، ونقل إلى تركيا بطرق غير شرعية.
وظهر في التسجيلات المصورة التي نشرت آنذاك، كتابات يعتقد أنها عبرانية كانت مرسومة على الصفحات التي بلغ عددها 16، وفي الغلاف الأمامي كان هناك أربعة رموز مختلفة لطيور، بوسطها نجمة سداسية، وتتوسط النجمة حجرة حمراء.
تجارة رائجة عبر الحدود
على الرغم من الحملات الأمنية التي تطلقها السلطات التركية للقبض على مهربي الآثار، لم يتوقف رواجها حتى الآن، وخاصة في الولايات الحدودية كهاتاي وكلس وشانلي أورفة، التي تحاذي الأراضي السورية، وتتركّز فيها جميع عمليات البيع والشراء.
ما سبق تؤكده وسائل التواصل الاجتماعي، والتي يلاحظ فيها عدة مجموعات (فعّالة حتى الآن) تحمل اسم “بيع وشراء الآثار من سوريا”، ووفق رصد أجراه موقع “الحرة” فإن القائمين على تلك المجموعات يقطنون في مناطق متفرقة من ريف حلب ومحافظة إدلب.
وعلى سبيل المثال، عرض أحد التجار، الثلاثاء، تسجيلا مصورا عبر مجموعة خاصة في موقع التواصل “فيسبوك”، قال إنها للوحات فسيفسائية أثرية، وأعلن نيته بيعها، بعد تأمين وصولها إلى الداخل التركي.
وعرض شخص آخر، يعتقد أنه أحد مهربي الآثار، على المجموعة الخاصة ذاتها، قطعا أثرية لم يحدد الزمن الذي تعود إليه، وحدد سعرها على الوزن، بقوله: “القطعة وزن 4.1 غرام تبلغ قيمتها 400 دولار”.
ويحتوي الإرث الحضاري السوري على آثار تعود لحضارات متعاقبة على مدى أكثر من خمسة آلاف عام، آرامية ويونانية ورومانية وإسلامية، تعرض كثير منها للسلب والنهب خلال الحرب السورية، فضلا عن تدمير بعضها بشكلٍ متعمد من قبل النظام السوري وتنظيم “الدولة الإسلامية”.
ويؤكد خبراء الآثار أن الأماكن الأثرية كانت عرضة للخطر من جميع الأطراف المتصارعة في الساحة السورية، إضافة إلى لصوص الآثار الذين استغلوا حالة الانفلات الأمني في البلاد، في حين يتبادل النظام السوري والمعارضة الاتهامات حول نهب آثار سوريا وبيعها في السوق السوداء.
المصدر: الحرة