خيال السينما وواقع الشارع الأميركي

كتب هادي جان بو شعيا:

في يوم تنصيب جو بايدن رئيسًا للولايات المتحدة الأميركية، تحوّلت واشنطن إلى قلعةٍ أمنية حصينة، حيث تمّ نقل آلاف الجنود إلى العاصمة لتأمين حفل التنصيب وسط تخوّف من أحداث أمنية، لا سيّما بعد اقتحام مبنى الكابيتول منذ اقلّ من أسبوعين.

كما تمّ إغلاق مجمّع الكونغرس بعد تحذيرات متكررة، إثر اندلاع حريق قريب، مما يُبرز حالة القلق الأمني التي تترافق وحفل التنصيب.
فما حجم التهديد الأمني؟ وما قُدرة الجماعات المتطرفة على اختراق الطوق الأمني كما حصل في 6 كانون الثاني في الكابيتول؟ وما هي السيناريوهات التي تتحضّر لها الأجهزة الأمنية الأميركية؟
إزاء ذلك، تشير الأجهزة الأمنية والاستخبارية إلى وجود تهديدات كبيرة جدا ما استدعى حشد عسكري وأمني ليصل عدد الجنود لقرابة 25 ألفًا من عناصر الحرس الوطني المسلّحين بهدف تأمين العاصمة يترافق مع إغلاق كامل في المنطقة المحيطة لقلب العاصمة والممتدة لحوالي 3 كيلومترات.
لذلك يعتبر من سابع المستحيلات، في ظل كل الإجراءات الأمنية والعسكرية واللوجستية المتّخذة من اقتراب اي متظاهر من إفساد حفل مراسم التنصيب.

لكن ماذا عن المخاوف التي أعرب عنها مكتب التحقيقات الفيدرالي الـFBI إثر اعلانه التحقيق في توجّهات جميع عناصر الحرس الوطني؟ وإلى أي مدى يمكن القول بأن اليمين المتطرّف وأتباع “الترامبية” الجديدة يخترقون أجهزة الجيش في الولايات المتحدة؟
من يطّلع على التقارير يتبيّن له حجم الاختراقات المسجلة لدى الأجهزة الأمنية التي تشي بأن هناك جنودًا ورجال شرطة ممّن يناصرون سمو العرق الأبيض متأثرين بخطاب ترامب وهذا واقع ومؤكد حسب التقارير، لكن نسبة الاختراقات أو التوغّل لا زالت مجهولة!
في المقلب الآخر، لعل الخطر الأكبر يبرز اليوم خارج واشنطن وتحديدًا في عواصم الولايات الخمسين التي تشهد تحرّكات كبيرة مصحوبة بشرعية حمل السلاح من أسلحة متطورة الآلية منها ونصف الآلية، فضلاً عن آلاف المتظاهرين في محاولة لرفض نتائج هذه الانتخابات.
رعاة البقر أو الـ Cowboysهكذا نعرفهم عند الحديث عن الغرب الأميركي بخيولهم وملابسهم الجلدية وقبّاعاتهم كما عرفناهم من الأفلام السينمائية. لكن رعاة البقر من أجل ترامب أعطوا لهم بُعدًا آخر، حيث تجمعهم أيديولوجية يمينية متطرفة تؤمن بالسلاح بالدرجة الأولى. نشأت في ولاية نيو مكسيكو ولها حضور في الولايات الجنوبية. كان مؤسسها كوي غريفن من مقتحمي الكونغرس الذي حشد أنصاره لمهاجمته مرة أخرى يوم تنصيب بايدن بالسلاح لرفع علم على مكتب نانسي بيلوسي، معلنًا بأن الدماء ستسيل عن جوانب المبنى في ذلك اليوم.
كل ذلك، قبل أن يعتقله مكتب التحقيقات الفيدرالي الـ FBI بسبب تلك التهديدات أمام الكاميرات.

إراقة الدماء في الكونغرس ليست أولى التصريحات المتطرفة لغريفين فقد هاجم سابقًا الأميركيين ذوي البشرة السمراء على خلفية احتجاجات حياة السود مهمة Black Lives Matter, مطالبًا إياهم بالعودة إلى إفريقيا ان كانت لا تعجبهم الحياة في الولايات المتحدة. هذه المنظمة تقدّم نفسها على موقعها بأنها تدعم ترامب من خلال جولات على الخيول تقوم بها في الولايات الأميركية. وتعتبر أن الأجندة التقدمية الليبرالية تُبعد البلاد عن المبادئ التي تجعلهم فخورين بكونهم أميركيين.
فهل يحوّل أنصار ترامب المشاهد التي لطالما كانت جزءًا من خيال السينما إلى واقع في الشوارع؟
يمثّل هذا المشهد تهديدًا أمنيًا حقيقيًا كما تعهّد وتوعّد يوم الأربعاء الأسود. ولفهم أكثر لهذه الظاهرة الخطيرة هناك حقّان دستوريّان مقدّسان في الدستور الأميركي:
1 – حق حرية التعبير عن الرأي والتجمّع والتظاهر.
2- حق حمل السلاح.
كما يحق شهر السلاح في الشارع كما يحدث في ولايات الجنوب ونيو مكسيكو وتكساس وغيرهما… لذا الخطر المحدق يتمثل بانتشار السلاح بصورة كبيرة في المجتمع الأميركي. كما أن هناك فئات من البيض وتحديدًا الإنجيليين يرون في الهجرة والتنوّع العرقي الكبير خطرًا عليهم وعلى وجودهم. حيث قبل 100 عام من اليوم كانت تمثّل هذه الفئة 90%. اما اليوم فتراجعت نسبتهم إلى 60% وهذا ما يقضّ مضجعهم من تداعيات التنوع الإتني والعرقي.
في حين حذّرت صحيفة الغارديان وتتفق معها وسائل الإعلام الأميركية الرصينة ومحلّلون سياسيون من سقوط أرواح يوم تنصيب بايدن. هل هذا السيناريو وارد؟
كما نشرت صحيفة “نيويوركر” فيديو يبرز تسريبات خطيرة لما حدث في الكابيتول مفادها أن السيناتور الجمهوري تيد كروز هو من دعا مثيري الشغب لاقتحام المبنى.

هل يأتي الخطر الفعلي من داخل المؤسسات السياسية؟
ربما هناك بعض الأعضاء المتطرفين بالمعايير السياسية مثل تيد كروز وجوش هاولي يسعون لركوب موجة الشعبية الجارفة التي حققها ترامب بين الفئات اليمينية والمحافظة.
التوتر العرقي اليوم خرج من القمقم بعدما أعطاه ترامب شرعية كبيرة. ويعتقد كثيرون أن هذا التيار وُجد ليبقى خصوصا بعد تمدده لدول كثيرة حيث وجدوا في ترامب مبشّرًا وهاديًا لهم لذلك من المستبعد أن يقتصر التوتر على حفل التنصيب إنما سيمتدّ ليصبح بعبعًا جديدًا يهابه العالم بأسره!