جنبلاط يدق ناقوس الخطر… لبنان يتهاوى

أثارت مواقف رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط الأخيرة – خصوصاً منها التي تناولت محاولات تغيير هوية لبنان وعزله عن أشقائه العرب – زوبعة واسعة من ردود الفعل في الأوساط السياسية والإعلامية والدبلوماسية. الثابت في سياق ما جرى حول هذا الموضوع، أن جنبلاط الذي سجَّل بعض الإنكفاء السياسي خلال المرحلة الماضية، ما زال من أكثر الشخصيات التي تُثير جدلاً في لبنان، والرأي العام يتفاعل مع مواقفه، بصرف النظر عن حجم مؤيديه أو المعارضين له.

 

من المؤكد أن تهميش جنبلاط منذ ما يقارب 5 سنوات كان هدفاً رئيسياً للقوى السياسية المرتبطة بمحور “الممانعة” خصوصاً منهم “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” الذين استولوا على كل مفاصل السلطة منذ أن وصل العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، وهؤلاء لم يتركوا هامشاً للتنوع والتعددية تحت طائلة تهديد الأمن الوطني وبحجج واهية ومختلفة، وفي ظل تخلي أصدقاء لبنان عنه، وتركه فريسة للطامعين بموقعه وبموارده. ولم يعُد لجنبلاط ولغيره من قوى الخط المعارض لهذا النهج أي تأثير في القرار السيادي، كما لم تكُن آراؤهم مسموعة، بما في ذلك في المواضيع الاقتصادية والمالية وملف عجز الكهرباء، بحيث اشتهر جنبلاط بحديثه “التويتري” عن خطورة عدّاد الدين العام قبل وقوع الإنهيار. وقد شمل استهداف جنبلاط، تطويقه بقانون إنتخاب إعتمد الصوت التفضيلي الطائفي والمذهبي، وهو ما أدى الى قضم الإمتداد الوطني لجنبلاط، ومحاصرته في البوتقة الطائفية التي لا يستسيغها في الأساس، رغم أنه يمثل ما يزيد على  75 في المئة من الناخبين الدروز وفقاً لنتائج آخر انتخابات أجريت في شهر أيار (مايو) 2018.

 

مواقف جنبلاط الأخيرة التي أدلى بها لمحطات تلفزيونية محلية ودولية، تركزت على حالة فقدان التوازن الوطني في لبنان، وعلى وقوع لبنان بالكامل تحت وصاية محور الممانعة بقيادة إيران، وهو ما أدى الى الأزمة المالية والاقتصادية الحالية، والى ضياع الحد الأدنى من الإستقلالية لدى الدولة، على شاكلة تجاوزت ما كان معمولاً به أيام الوصاية السورية كما قال جنبلاط. وقد حُمِّل لبنان ما لا يستطيع حمله لخدمة مشروع الممانعة، لا سيما في تدعيم النظام في سوريا، وآخر هذه الأحمال الثقيلة، إعلانه منصة لإطلاق الصواريخ دفاعاً عن أنظمة هيمنت على المنطقة بقوة الفوضى. وقبل ذلك تمَّ وضع كميات من الآمونيوم المتفجر في مرفأ بيروت، ما أدى الى وقوع الإنفجار التدميري الرهيب في 4 آب (أغسطس) 2020، كذلك يتم استغلال لبنان وماليته المتهالكة وسمعته الخارجية، لتهريب المواد الأساسية المدعومة الى سوريا وغيرها، إلتفافاً على العقوبات المفروضة عليها، ما سيؤدي حكماً الى تسريع إفلاس الدولة أكثر من الوضعية المأسوية الموجودة فيها اليوم.

 

جنبلاط دقَّ ناقوس الخطر، واعتبر أن الطريقة التي اعتمدها “حزب الله” وحلفاؤه ألغت خصائص لبنان كونه بلد الحريات والعلم والتنوع والتلاقي، وهذا الموقف يتشابه في جوهره مع خطاب البطريرك الماروني بشارة الراعي الذي دعى الى الحياد والى فك أسر الدولة من قيود هذا المحور، ويتلاقى موقف جنبلاط أيضاً مع رأي غالبية لبنانية واضحة وفق ما يظهر من خلال وسائل التواصل الاجتماعي ومن وسائل الإعلام المختلفة، لكن يبدو أن الكلام ذاته عندما يصدر عن جنبلاط يحمُل أبعاداً أخرى، وله تأثير مختلف عند قوى الممانعة “الداخلية والخارجية”، وما يؤكد على ذلك؛ هو تجنيد قادة السلطة لكل وسائل المواجهة الإعلامية لديها للرد على جنبلاط، واتهامه أنه يتناغم مع مواقف الدول العربية التي طبَّعت علاقاتها مع إسرائيل، ويعتبرون تصريحاته محاولة لتقديم عروض لقوى السلطة، للتفاوض على تعزيز مكانته في مؤسسات الدولة، كما يتم كيل الاتهامات له واستحضار رعايته لملف عودة المهجرين الذي أنهى آثار الحرب وأجرى المصالحات وإعادة الإعمار والبنى التحتية التي كانت مُدمرة، بكلفة متواضعة لا تزيد على 1,6 مليار دولار دُفعت على مدى 28 عاماً، والمبلغ بمجمله لا يصل الى قيمة ما تدفعه الدولة في سنة واحدة عن عجز الكهرباء المتعثرة التي تولَّى إدارتها “التيار الوطني الحر” منذ ما يزيد على 10 سنوات، لكن جنبلاط أعلن جهاراً أنه على استعداد للمثول أمام القضاء لإعطاء إفادته في أي موضوع، خصوصاً في الملفات التي كان قد شارك في إدارتها وهي متواضعة ومحدودة قياساً بمشاركة القوى الأخرى، معولاً على نزاهة الكثيرين من القضاة، برُغم الكلام الذي يدور حول انحياز القضاء، حيث أن الرئيس عون أوقف التشكيلات القضائية لإبقاء نفوذ المقربين منه على العدلية.

 

لا توافق مصادر مُطلعة على أن جنبلاط يعيشُ توتراً كبيراً كما قيل، لكنه قلق على مستقبل لبنان، ولديه عتب على الذين لم يحترموا تنظيم الخلاف معه حفظاً للاستقرار من جهة، وعلى الأشقاء والأصدقاء الذين تركوا لبنان وحيداً في أخطر مرحلة من حياته من جهة ثانية. وهو غير خائف على مستقبله الشخصي كما قيل أيضاً، ولا ينافس للحصول على أي موقع، بدليل أنه يُشهِر سيف الإنكفاء عن المشاركة في السلطة أمام الذين يمارسون فائض القوة، وهو يُشجع الرئيس سعد الحريري على ذلك ايضاً، والإنكفاء أمام الخصم السياسي للإفساح له تحمُّل المسؤولية بالكامل؛ عامل قوة، وعناصر القوة التي يمتلكها جنبلاط مع الذين يوافقونه الرأي كبيرة جداً، برُغم صعوبة الظروف الناتجة من الأزمتين المالية والصحية، وفيما لو قرر جنبلاط مع حلفائه قلب الطاولة على الذين يرى أنهم سببوا بإنهيار الدولة، وتجاوزوا كل الحدود في الهيمنة على المؤسسات، فهو قادر، ولكن خياره هو الحفاظ على المؤسسات الشرعية، ولأن كلفة الفوضى على البلاد التي تئِنذ تحت نير الفقر والعوُز والمرض ستكون كبيرة جداً. 

 

لذلك يرى جنبلاط أن سياسة الصبر الإستراتيجي التي مارسها منذ سنوات، قد تكون كفيلة بإقناع القوى التي مارست إنفلاشاً أمنياً مخيفاً وانحرافاً دستورياً واسعاً، بالعودة عن خطأها، كي لا يتحول الصراع الى صدامات لا تتحملها البلاد.

 المصدر : لأنباء