قلائل جداً في لبنان هم المستعدّون لبذل الدم والروح فدى بلدٍ لم يتغيّر فيه شيءٌ نحو الأفضل منذ 30 عاماً، ولم يتقدّم خطوةً واحدة نحو الأمام. جاعَ الشعب وانتفض وانتحرَ، واستمرّت السلطة في انحدارها العميق حتّى بترت أصابع أبنائها وأفقدتهم عيونهم و… بقيّة أعضائهم.أدمى “فيديو” الناشط ميشال شمعون قلوب الآلاف في الساعات الأخيرة. الرجل فقد إصبعيه في إطلاق رصاص من قبل عناصر مكافحة الشغب في وسط بيروت، رافضاً التراجع في عزّ مواجهة عنفيّة على طريق “نكون أو لا نكون”.وما لم يُخبره ميشال في الـ”فيديو”، رواه لموقع mtv، مع ما يحمله ويُخبّئه من أحداث وظروف واجهها منذ ليلة 17 تشرين الأوّل 2019.قبل أن يفقد إصبعَه ويُصاب الآخر بحروق بالغة، يروي شمعون أنّ “بداية شغَب حصلت بشكل مشبوه جداً، حيث أننا، وبعد دقائق من وصولنا إلى محيط جريدة “النهار”، انهالت علينا جهات مجهولة متمركزة على سطحَي مبنيين برمي الحجارة على رؤوس الثوار الذين كانت أعدادهم تتزايد بشكل سريع”، لافتاً إلى أنّ “الثوّار أبدوا تضامناً شديداً في ما بينهم ورفضوا الإنسحاب رغم رمي الحجارة ورشّ المياه بشكل عشوائيّ على المتظاهرين”.”لم أكن أبعُد عن عناصر القوى الأمنيّة سوى متر واحد، وحين أدرتُ ظهري أطلقوا عليّ الرصاص المطّاط فأُصبت بظهري إلاّ أنّني لم أتضرّرنظراً إلى سماكة المِعطَف الذي كنت أرتديه”، يسرد شمعون، موضحاً أنّه “استُهدِف فعلياً بـ4 رصاصات، واحدة منها أدّت إلى فقداني إصبعي”.وكشف، لموقعنا، أنّه “تقدّم بشكوى قضائيّة ضدّ “مكافحة الشغب” ومَن يُضبَط بارتكابه من العناصر للتعويض صحياً”، مُعلناً أنّه “لا يُريد أموالاً لصالحه بل لمساعدة أهالي وفقراء طرابلس الذين ينامون على الطرقات من دون طعام ولا مياه، وكلّ تعويض أتلقّاه سيذهب لضمان استمراريّة الثورة في وجه سلطة الفساد والفاسدين الذين يحكمون لبنان بالقوّة ورغماً عن شعبه”.”مكمّل مع الثوّار فدى البلد، راح إصبع وبعد في 9، وما رح نتراجع لآخر روح فينا”، جملة كفيلة بوصف الحالة الشعبيّة والنفسيّة التي دخلها لبنان منذ 17 تشرين الأوّل حتى اليوم.