كتب رمال جوني في “نداء الوطن”:
يتغلغل “كورونا” داخلنا، يستبيح عائلات بكاملها، ينهك أجسادها بعوارضه المرعبة، يشلّ قدرتها على التفكير والحركة، حتى الكلام يصبح مجازفة مخافة أن تشنّ “السعلة” حملتها القويّة عليها. ليس هناك ألم كأوجاع الوباء، يكفي عزلته بحثاً عن الامان، يشعر المصاب وكأنه في معركة قاسية الإستسلام فيها ممنوع، وإلا الخسارة الموجعة، يخوض حرباً ضروساً مع الوباء، يتسلّح ببعض حبّات من “البنادول” والزينك والمسكّنات، يظنّ أنّها تشفيه، فيما يستخدم “كورونا” شتى أنواع أسلحته، من حريق في العظام الى حريق الأنف والتعرّق والحرارة القوية، ويتسلّل الى داخل المعدة مُصطحباً كلّ عدّة الأوجاع التي تجعل المصاب عاجزاً عن شرب قطرة ماء.
ليست معركة سهلة بل قاسية جداً، لن ينفع معها الإقفال الموعود طالما الناس متراخية في التعاطي مع “كورونا”. حالة ضياع تسود الشارع، يتخبط الأهالي بالأعداد باتوا أكثر تصالحاً مع الارتفاع الكبير، فهم يرونه مسرحية لا أكثر، فيما أدوات حمايتهم مفقودة، وإن حضرت تكون الكمّامة على العنق والسلام سيّد الجلسات، أما النرجيلة فيتحلّق حول جمعتها شلّة من الشبان، لا كمّامة لا تباعد ولا من يحزنون، وحين تصيبهم عدوى الوباء يكون المتضرّر الوحيد من مرّ بقربهم.
يُقرّ الجميع بأنّ خطر “كورونا” يتعاظم مع الحديث عن فقدان السيطرة عليه، وصعوبة إيجاد سرير داخل أقسام “كورونا”، أو لنقُل: توفّر السرير لم يعد غبّ الطلب، إنتَ وحظّك، إذ بات البحث عن سرير أشبه بالبحث عن إبرة في “كومة قشّ”. صحيح أنّ المستشفيات تؤكّد أنّ هناك أسرّة، غير أن الواقع مغاير، حين يجري المصاب اتصالاً بالمستشفى، مباشرة يأتيه الجواب ” ما في سرير”، “مفوّل”، “بدّك تنطر حدا يغادر”. تبدو الحقيقة ضائعة في زمن سيطرة “كورونا” على الواقع، عاود الاخير إحتلاله حديث الناس، بعدما خفت نجمه لصالح الأزمة المعيشية. ربّما أكثر الناس تأثّراً بـ”كورونا” من وقع ضحيّته، فشعب “البلا مخّ” ما زال حتى الساعة غير مبال، يضع كّمامته على عنقه، أو يتأبّطها في ذراعه، وهناك من لا يعترف بها على الإطلاق، فيخرج من دونها غير آبه بتداعيات خطوته على محيطه.
إنشغل الناس في الأيام الأولى من سنة 2021 بأعداد “كوفيد 19″، أرعبهم العدد المرتفع نسبياً، وأخافتهم سيطرته على العائلة وحبس أنفاس الجميع تحت سلطة الوجع والعوارض التي لا تُحتمل. تبقى الأمور تحت السيطرة الى أن تتدهور حالة احدهم، هنا تقع الكارثة، تنشغل العائلة برمّتها في البحث عن سرير بين مستشفيات الجنوب كافة، خوف، رعب، قلق، هواجس لا تُعدّ ولا تُحصى تسيطر على العائلة، ماذا لو خسروا حبيبهم؟ ماذا لو لم يجدوا سريراً؟ أي حال سيكون عليه حال المريض؟ ربّما هذا ما سيطر على عائلة المصابة جهاد التي تدهورت صحّتها فجأة، إمتلأت رئتاها بالبلغم، وبات دخول المستشفى ضرورياً ولكن ما لم يكن في حسابات ابنائها انهم لن يعثروا على سرير. وِفق هبة، إحدى قريباتها، “بقينا ثلاث ساعات وأكثر نبحث عن سرير فارغ، الكلّ يجيبنا ما في تخت”.
ساعات مرعبة عاشتها العائلة، كان الخوف من فقدان والدتهم يشغل بالهم، وِفق هبة “لحظات مرعبة مرّت علينا، كنا نرى والدتنا تتوجّع أمامنا، حرارتها لا تنخفض ورئتها تتعب كثيراً ونعجز عن مساعدتها، شعرنا بأنّنا نموت جميعاً”. لا تخفي هبة حزنها وقلقها “كان العثور على سرير بمثابة نجاة من موت محتم، ليس بالأمر اليسير على الإطلاق”.
تتحدّث هبة بمنطق الخوف الذي بات يخيّم على الجميع، لا تتردّد في دعوة الجميع “الى التقيّد بالكمّامة والتباعد، كي لا نخسر عزيزاً على قلوبنا”، وتأسف لوجود “بعض المستهترين” الذين يتنقّلون في الطرقات ينشرون الوباء ولا يبالون بشيء، وتشدّد على قاعدة “أنّ الناس مسؤولة عن محاربة الوباء” وإلا “الموت ينتظرنا”.