عقب تحركات البنتاغون العسكرية الأخيرة في الشرق الأوسط (التي من الواضح أنَّ الهدف منها ردع إيران عن مهاجمة القوات الأميركية في ذكرى اغتيال القائد الإيراني قاسم سليماني)، إلى جانب تقارير الإعلام الإسرائيلي بأنَّ السعودية وإسرائيل تحضان ترمب على قصف إيران قبل الرحيل عن الرئاسة، أثيرت تكهنات بأنَّ ترامب يخطط لأكبر مجازفاته على الإطلاق، وربما أكثرها كارثية.
واتّهم وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، الخميس 31 كانون الأول 2020، ترمب بالسعي إلى اختلاق “ذريعة” لشن “حرب”، في توقيت يشهد تصاعداً جديداً للتوتر بين البلدين. وأضاف ظريف في تغريدة: “بدلاً من مكافحة فيروس كورونا بالولايات المتحدة، ينفق دونالد ترمب المليارات لإطلاق قاذفات بي-52 ونشر أسطول في منطقتنا”، مشيراً إلى “معلومات عراقية أفادت بوجود مؤامرة لاختلاق ذريعة بغية شن حرب”.
في الوقت ذاته، نقلت قناة NBC الأميركية عن مسؤول أميركي مساء الجمعة 1 كانون الثاني 2021، قوله إن “مؤشرات متزايدة على أن إيران قد تخطط لهجوم على قوات ومصالح أميركية بالشرق الأوسط”.
وسبق ذلك التصريح بساعات فقط، تصريح آخر لمسؤول أمريكي قال فيه لـ”سي إن إن”، إن “القوات البحرية الإيرانية في الخليج عززت مستويات الاستعداد خلال الـ 48 ساعة الماضية، وليس من الواضح ما إذا كانت تحركات إيران دفاعية أو تشير لعمليات ضد الولايات المتحدة”، حسب تعبيره.
ومنذ تشرين الأول، نشر البنتاغون 2000 جندي إضافي، وسرباً من الطائرات المقاتلة في المملكة العربية السعودية, وأرسل كذلك قاذفات من طراز “بي-52” في مهام بالخليج العربي ثلاث مرات، وأبقى على حاملة الطائرات “نيميتز” بالقرب من إيران، وأعلن إرسال غواصة هجومية تُطلِق صواريخ توماهوك إلى خارج المياه الإيرانية. علاوة على ذلك، أرسلت إسرائيل مؤخراً غواصة مجهزة نووياً إلى الخليج العربي.
على الصعيد الرسمي، تهدف جميع هذه المناورات العسكرية إلى “ردع” طهران، رغم أنَّ إسرائيل اغتالت مسؤولاً إيرانياً في إيران وليس العكس. ونقلت صحيفة The Washington Post عن جنرال مشاة البحرية كينيث “فرانك” ماكنزي، قائد القيادة المركزية الأميركية، قوله: “تواصل الولايات المتحدة نشر قدرات جاهزة للقتال في منطقة مسؤولية القيادة المركزية الأميركية؛ لردع أي خصم محتمل، وتوضيح أننا مستعدون وقادرون على الرد على أي عدوان مُوجَّه ضد الأميركيين أو مصالحنا”.
وحمل تصريح جديد لحسین دهقان، المستشار العسكري للمرشد الأعلى في إيران، صيغة تهديد مباشر لأميركا مساء الخميس 31كانون الأول 2020، وذلك في تغريدة بحسابه الرسمي على “تويتر”، قال فيها إن “الصواريخ الإيرانية تغطي القواعد العسكرية الأميركية كافة في المنطقة”.
وأضاف: “نوصي الرجل الذي طُرد من البيت الأبيض، أي ترمب، بألا يحوّل العام الميلادي الجديد إلى عزاء للأميركيين”.، مؤكداً أن “الأميركيين في حالة تأهب؛ خوفاً من انتقام إيران، وكخطوة دعائية حلَّقت قاذفتا بي 52 في سماء الخليج”.
يقول تريتا بارسي الخبير المتخصص بالعلاقات الإيرانية الأميركية والحائز على عدة جوائز عن مؤلفاته حول الشؤون الإيرانية، إنه ليس من المستغرب أنَّ طهران ترجمت هذه الإجراءات على أنها تهديدات واستفزازات، مثلما كانت الولايات المتحدة لتنظر إلى مركزة سفن حربية إيرانية قبالة ساحل فلوريدا.
ويضيف بارسي في تحليل منشور له بموقع Responsible Statecraft الأميركي، إن ما زاد المخاوف من اندلاع مواجهة عسكرية وشيكة هو ما تردد عن رفض إدارة ترمب السماح لفريق بايدن الانتقالي بالاجتماع مع وكالات الاستخبارات الدفاعية. ولم تُثِر هذه الخطوة ضجة في فريق بايدن فحسب، بل أثارت أيضاً الدهشة على المستوى الدولي.
ومن جانبه، تكهَّن توبياس إلوود، النائب البريطاني المحافظ ورئيس لجنة الدفاع في مجلس العموم، على تويتر، بأنَّ ترامب كان يمنع الإحاطات الاستخباراتية عن بايدن، “لأنه يخطط لعمليتين مهمتين قد تحصلان على الضوء الأخضر قبل 20 يناير/كانون الثاني”.
ووجد كارل بيلدت، رئيس وزراء ووزير خارجية السويد سابقاً، تصرُّف ترامب “غريباً”، وتساءل عمّا إذا كانت هناك “تغييرات حديثة تتعلق بعمليات وشيكة محتملة أو مُخطَّط لها؟”.
وما يجعل الأمور أسوأ، ويشير إلى أنه بدلاً من السعي لردع إيران، ربما يكون ترامب يمهد الطريق لحرب اختيارية، تصريحات كبار مسؤولي البنتاغون التي يؤكدون فيها أنَّ “التهديد الإيراني مُبَالغٌ فيه”. وقال مسؤول دفاعي كبير له دور مباشر في هذه القضية، لشبكة CNN، إنه “لا توجد معلومة استخباراتية داعمة واحدة تشير إلى أنَّ هجوماً من جانب إيران قد يكون وشيكاً”.
إذا كان ترمب يسعى إلى مواجهة مع إيران خلال الأيام الأخيرة من رئاسته، فما هي دوافعه؟ يقول الخبير بارسي، إن هناك شيئين يجب توضيحهما:
أولاً: أياً كان السبب، فمن المحتمل أنه مخطئ في تقديراته. وقد اتسمت سياسته تجاه إيران بأكملها بالفشل الذريع، ولم يُظهِر أية قدرة على التعلم من أخطائه خلال السنوات الأربع الماضية.
وثانياً: يشير سجله الحافل إلى أنه كلما ازداد يأسه، يصبح أكثر تهوراً. وفي سعيه المستميت للتشبث بالسلطة، يستكشف كل السبل للانقلاب على نتائج الانتخابات، حتى التلويح بفكرة المطالبة بالأحكام العرفية، حتى إنَّ الجنرال المتقاعد مايكل فلين اقترح أن ينشر ترامب الجيش في “الولايات المتأرجحة”؛ من أجل “إعادة” الانتخابات.
هل يمكن أن يسعى ترمب لإشعال مواجهة عسكرية مع إيران على أمل خلق فوضى كافية لمنع جو بايدن من تولي منصبه في كانون الثاني؟ لا يوجد سبب لاعتقاد أنَّ مثل هذه المناورة ستنجح، لكن جنون الفكرة ليس سبباً مقنعاً لامتناع ترمب اليائس عن تجربتها.
وعلى أقل تقدير، سيحصل ترمب على دعم القاعدة الكبيرة من المسيحيين الإنجيليين الذين ينظرون إلى المواجهة مع إيران على أنها “تحقيق لنبوءة نهاية العالم في سفر الرؤيا”، وكذلك نبوءة أكبر داعم مالي للحزب الجمهوري، شيلدون أديلسون. وقد أذعن ترمب بالفعل لكل طلب من أديلسون (باستثناء الحرب مع إيران)؛ من نقل السفارة الأميركية إلى القدس، وقبول ضم إسرائيل لمرتفعات الجولان، إلى إطلاق سراح الجاسوس الإسرائيلي جوناثان بولارد، الذي سافر إلى إسرائيل هذا الأسبوع على متن طائرة أديلسون الخاصة. ووصفت وكالة The Associated Press إطلاق سراحه بأنه “الأحدث في سلسلة طويلة من الهدايا الدبلوماسية التي قدمها الرئيس دونالد ترامب لنتنياهو”.
وحتى لو لم تمنع المواجهة مع إيران بايدن من أن يصبح رئيساً، فقد يتصور ترمب أنه سيقضي على الاتفاق النووي الإيراني نهائياً وإلى الأبد، ويضمن استمرار دعم أديلسون والإنجيليين له، الذي بدوره يمكن أن يساعد ترمب على تعزيز قبضته على الحزب الجمهوري حتى بعد رئاسته.
وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية وعربية، الجمعة كانون الثاني، أنَّ المملكة العربية السعودية وإسرائيل تضغطان على ترمب لقصف المنشآت النووية الإيرانية قبل أن يترك منصبه على وجه التحديد؛ لمنع بايدن من العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة.
وأياً كانت حسابات ترمب، فمن الواضح أنَّ هناك خطراً يتمثل في أنَّ الأسابيع الثلاثة الأخيرة من رئاسة ترمب قد تكون الأكثر خطورة.