إنها الحرب…ولكنْ برصاصٍ مطّاطّي!

ما نشهده في وسط بيروت منذ ثلاثة أيام لا يختلف كثيرًا عن حرب المتاريس، التي شهدها هذا الوسط قبل سنوات غابرة، كنا نتمنى أن تبقى مجرد ذكرى، لا أكثر ولا أقل، ولكن يبدو أن ثمة من لا يريد أن تبقى هذه الحرب نائمة في سبات عميق، بل يحاول إيقاظها بشتى الطرق، على رغم أن الجميع يعرفون خطورة اللعب بالنار، وما يمكن أن تؤدي إليه من نتائج مدّمرة على كل الصعد، خصوصًا أن ثمة مؤشرات مقلقة تلقاها أكثر من مسؤول تحذّر من مخاطر ما يمكن أن ينتج عن ذلك من إنعكاسات سلبية على مجمل الوضع، مع العلم أن لبنان بدأ مسيرة الإنهيار الإقتصادي، وهذا الأمر يقود البعض إلى الإعتقاد أن ما يُخطط له يتجاوز بأهدافه إمكانية لجم التدهور بأدوات محلية.

من يشاهد ما يجري في وسط العاصمة، وكأنه أصبح مشهدًا يوميًا، لا يستبعد عودة أجواء الحرب البغيضة، ولكن من دون أن يُعرف من هو العدو ومن هو الحليف.

إنها الحرب بكل بشاعتها بين منتفضين ثائرين، بغض النظر عن الملاحظات التي يبديها البعض حول هوية هؤلاء الثائرين، وبين القوى الأمنية، من جيش وقوى أمن داخلي. أؤلئك يستعملون في “حربهم” الحجارة والمفرقعات والأسهم النارية والمطافىء وكل ما يصادف أمامهم من وسائل هجومية. أما هؤلاء فيستخدمون خراطيم المياه والقنابل المسيلة للدموع والرصاص المطاطي عن مسافات قريبة، وذلك لتفريق المتظاهرين، والحؤول دون تمكين من يحاول اللعب بالنار من الوصول إلى أهدافهم.

إنها الحرب بكل ما للكلمة من معنىً، وذلك بفعل هذه الكمية من الحقد المتبادل بين المنتفضين والقوى الأمنية، ونتيجتها تأتي بهذا الحجم من الجرحى الذين يسقطون من كلا الطرفين، وهم بالمئات، خصوصًا أن ثمة مخاوف من أن تنفلت الأمور من أيدي من يحاول صب الزيت على النار، مع عدم إستبعاد وجود من يحاول الإستفادة من هذه الفوضى لتحقيق ما عجز عن تحقيقه في مراحل سابقة، وهذا ما تحذّر منه القيادات الأمنية بناء على معطيات إستخباراتية.

ففي غياب الحلول السياسية الإستيعابية لـ”الحرب” الدائرة في وسط بيروت، نشهد حربًا من نوع آخر بين الحلفاء، وهي حرب على الكراسي وحرب على الإستئثار بأكبر حصة في حكومة لن تؤخر ولن تقدم، وهي العاجزة عن إزالة الحواجز ضمن البيت الواحد، فكيف ستستطيع إلغاء المتاريس بين المنتفضين وبين القوى الأمنية، وكيف ستستطيع أن تضع حدًّا للحرب الدائرة، والتي قد تتطور إلى أبعد من “حرب” بالواسطة، وهي غير قادرة على تخطي الجسور الملغّمة بكل أنواع البارود السياسي، والذي يجعل مصير “الحكومة الديابية” في مهب التكهنات والتندر، مع تنامي الشعور بأن ما يدور في الكواليس السياسية هو أبعد من حصة بالناقص وكرسي وزاري بالزايد.

فأيًّا تكن الملاحظات على أداء البعض، الذي لا يزال يتصرّف وكأن تاريخ 17 تشرين الأول غير موجود، وكأن لا شيء خطيرًا يدبر في الخفاء، فإن ما ينتج عنه من فوضى عارمة في الشارع المتسارعة خطواته نحو المصير المحتوم، يفرض التعاطي مع كل هذه المعطيات بكثير من الحذر، بحيث يصبح الندم غير مجدٍ متى أكتملت حلقات الدخول في الفوضى، التي سيكون لها تأثيرات خطيرة على الكيان.