هل اقترب الراعي من رفع الغطاء الماروني عن رئيس الجمهوريّة؟

كتبت أنديرا مطر في “القبس”:

على نحو غير مسبوق في لبنان، رفع البطريرك الماروني بشارة الراعي سقف مواقفه باتجاه «الجماعة السياسية»، التي يظهر واقع الحال أنها إنما «تتولى إدارة دولة عدوة وشعب عدو». لم يكن الراعي ليرفع عصا البطريركية المارونية لو لم يستشعر أزمة وجودية تهدد الكيان اللبناني، والتي «ما كانت لتقع لولا سوء أداء هذه الجماعة منذ سنوات وصولًا إلى اليوم».

وللمرة الأولى طالت سهام رأس الكنيسة المارونية رئيس الجمهورية بشكل صريح، عندما حمله بشكل أو بآخر مسؤولية تعطيل تشكيل الحكومة، بقوله: «لم نجد مبرراً لدى الرئيسين عون والحريري لعدم تشكيل الحكومة». انتقادات الراعي اللاذعة أعقبت مسعاه لتحريك الملف الحكومي، ودخوله على خط الوساطة بين بعبدا وبيت الوسط، والذي كاد يصل الى خواتيم سعيدة، أو أوحي له بذلك، قبل أن تتحرك مجددًا شياطين التفاصيل، التي واكبت زيارة رئيس التيار الوطني الحر إلى بكركي الإسبوع الفائت.

ومبادرة الراعي تتماهى مع المبادرة الفرنسية المجهضة، ومع رغبة الحريري في تشكيل حكومة اختصاصيين «محصنة بوجه التسييس». لم يتأخر الرد على انتقادات الراعي، تغيَّب عون للمرة الأولى عن حضور قداس عيد الميلاد في الصرح البطريركي في بكركي، عازيًا تغيبه الى الأحوال الصحية بسبب جائحة كورونا حسبما أعلنت دوائر القصر، غير أن قوى سياسية مسيحية أخرى جزمت أن عون لم يحضر القداس، بسبب موقف الراعي الأخير منه.

يأسف سياسي مسيحي معارض للحال التي وصلت اليها رئاسة الجمهورية، والتي أصبحت بلا أي غطاء مسيحي في الداخل، وبعدما خسرت اصدقاءها التقليديين خارجيًا، وفق السياسي نفسه، يحن الرئيس عون الى استعادة مقولته الشهيرة «يستطيع العالم ان يسحقني ولا يأخذ توقيعي»، مشبهًا ظروف عون الحالية بما كانت عليه قبل إخراجه من قصر بعبدا في ١٩٩٠. مذكرًا بأن العلاقة بين التيار الوطني الحر والبطريركية المارونية لم تكن يومًا بافضل أحوالها، وغالبًا ما طغى عليها ارتياب متبادل (منذ البطريرك الراحل نصرالله صفير). في المواجهة الحكومية الأخيرة مع الحريري، كان الرئيس بأمس الحاجة إلى مظلة بكركي. وقد أوكل هذه المهمة الى رئيس التيار الوطني جبران باسيل، الذي قدم مرافعة دفاعية تبرئه من تهمة التعطيل التي تلصق به، موضحًا للراعي أن جل ما يهدف إليه هو عدم التفريط بحقوق المسيحيين، وتثبيت شراكة الرئيس المسيحي في تشكيل الحكومة، واختيار الوزراء من كل الطوائف.

«توقعنا فتفاجأنا»، تختصر مرارة البطريرك الذي أمل بحكومة اختصاصيين تتولى ورشة النهوض والإصلاح، وتعيد لبنان إلى منظومة الأمم، «فتفاجأنا بوضع شروط وشروط مضادة ومعايير مستحدثة، وبربط تأليف حكومة لبنان بصراعات المنطقة والعالم».

غضب سيد بكركي ومرارته من مآلات الأوضاع اللبنانية التي تجاوزت كل الخطوط الحمر، لم تتوازى مع مواقف الأحزاب المسيحية المعارضة، من الكتائب اللبنانية إلى تيار المردة مرورًا بالقوات اللبنانية، وقبلهم شريحة واسعة من اللبنانيين، خرجت مطالبة باستقالة المنظومة السياسية من أعلى الهرم. فالبطريركية المارونية تنظر إلى الموقع المسيحي الأول في لبنان على أنه خط أحمر لا يجوز المس به، إلا أن السياسي المعارض يعتبر أن مواقفها الاخيرة، بمثابة رفع البطاقة الصفراء أمام عون ومن ورائه حزب الله خط الدفاع الأخير والوحيد عن عون، وصهر الرئيس جبران باسيل اللذين توجه إليهم الراعي بقوله «فكوا أسر لبنان من ملفات المنطقة وصراعاتها، ومن حساباتكم ومصالحكم المستقبلية الخاصة».

يخشى البطريرك تزايد موجة المطالبين بالفدرالية، وقد أصبحوا مجموعات منتظمة تلقى قبولًا لدى شريحة موسعة من المسيحيين، وهو لا يألو جهدًا في سبيل الحفاظ على لبنان النموذج، الذي يعتبره مستهدفًا، بسبب ممارسات عبثية تحت شعار حقوق المسيحيين والحفاظ عليها، لكنها تهدد في حال استمرارها بإطاحة ما تبقى من هذ الحقوق، ومن الإمتيازات المسيحية على المدى البعيد.

وفي هذا الإطار يتحرك الراعي بدعم من الفاتيكان، الذي أرسل رسالة ميلادية للبنان واللبنانيين أيضاً، ركزت على ضرورة الحفاظ على رسالة العيش المشترك، تلك العبارة وردت 3 مرات في الرسالة الفاتيكانية. وضع الراعي مطلب تشكيل الحكومة خطوة أولى على طريق إنقاذ لبنان من الأخطار التي تتهدده، وفي سالة مباشرة إلى المعنيين بعملية تشكيل الحكومة، مضيفًا أنه: «إذا كانت أسباب عدم تشكيل الحكومة داخلية فالمصيبة عظيمة؛ لأنها تكشف عدم المسؤولية، وإذا كانت أسبابها خارجية فالمصيبة أعظم؛ لأنها تفضح الولاء لغير لبنان»، لافتاً إلى أنه «في الحالتين يشعر الشعب بأن التغيير بات أمراً ملحاً من أجل وقف مسيرة الانهيار الوطني».

‏فهل اقتربت بكركي من إزالة الخطوط الحمر حول مقام الرئاسة الاولى؟