كتبت ملاك عقيل في “أساس ميديا”:
حرفياً يتحدّث رئيس الجمهورية ميشال عون عن “نحسٍ” يلاحق عهده. ولعلّ النحس الأكبر بعد الانهيار المالي والاقتصادي واجتياح وباء كورونا وعدم صمود ثلاث حكومات خلال أربع سنوات من عهده هو اضطراره لوضع اليد مجدّداً مع الرئيس سعد الحريري…
ليس في محيط الرئيس عون ولا جبران باسيل من يصفّق اليوم لعودة الحريري “صاحب ثاني أكبر كتلة سياسية وغير الاختصاصي” على رأس حكومة اختصاصيين يريد أن “يحتكر” تسمية غالبية طاقمها الوزاري. باتت الأسماء والحقائب تفاصيل هامشية أمام عقدة أكبر قد لا تكون قابلة للحلّ مهما ضغط الوسطاء وسعاة الخير من رؤساء دول ونزولاً…
فهي الحكومة التي لا يمكن ضمان استمراريتها في ظل فقدان الثقة الكامل بين بيت الوسط وبعبدا واستحالة التعايش بين نقيضين إلى حدّ بات السؤال مشروعاً في المقلب الحريري: هل المطلوب “تطفيش” سعد؟. أما في مقلب العونيين فالسؤال الأهمّ: هل “كلّف” الحريري تشكيل حكومة أو إنهاء العهد قبل أوانه؟
غياب رئيس الجمهورية عن قداس بكركي يندرج في إطار “النحس” إياه، إذ لا موانع سياسية حالت دون انتقال عون إلى بكركي إذا تمّ الاتكاء على الموقف المعلن من الجانبين. فالمعلومات تفيد أن رئيس الجمهورية أبلغ مسبقاً البطريرك الراعي عند زيارة الأخير له عزمه حضور قداس الميلاد، لكن مساء أول من أمس اتّصل عون مجدّداً بالراعي معيّداً إياه ومعتذراً عن الحضور والسبب… “كورونا”.
ففي الأيام الماضية رفعت رئاسة الجمهورية من درجة استنفارها “الصحّي” ربطاً بإعلان إبنة الرئيس كلودين عون إصابتها بالفيروس. وهي الإصابة الثانية في العائلة بعد جبران باسيل. واقع أفضى إلى أن يكون الاحتفال بالميلاد هذا العام غير عادي، إذ اقتصر عشاء العيد ويوم العيد في القصر على عدد محدود جداً من أفراد العائلة بعكس الأعوام الماضية.
وهنا تستبعد مصادر قريبة من بكركي أن “يكون هناك أي سبب آخر أدّى إلى اعتذار رئيس الجمهورية، خصوصاً ما سيق عن عتب رئاسي على مواقف البطريرك، إذ أن مواقف الأخير ليست جديدة وأهل القصر على دراية بها. وما قاله بالأمس كان سيقوله بحضور أو عدم حضور رئيس الجمهورية”، مشيرة الى أن “لا مصلحة أصلاً لرئيس الجمهورية بالدخول الآن في نزاع مع البطريرك الراعي”.
المقارنة بين قداس بكركي العام الفائت واليوم يوضح أكثر الصورة. كان الحريري قد قدّم استقالته في 19 تشرين الأول “استجابة لصوت الشارع”، كما يقول دوماً، واضعاً “الشركاء السابقين” أمام مهمّة التفتيش عن البديل.
وقف عون يومها أمام عدسات الكاميرات قبل دخوله إلى الكنيسة متمنّياً أن تكون الحكومة برئاسة حسان دياب “المكلّف” هدية اللبنانيين قبل رأس السنة. وحين سُئل عن رأيه في قول الحريري إنّ “الحكومة ستكون حكومة جبران باسيل وبأنّ العهد يتصرّف وكأن ليس هناك أزمة” أجاب عون: “لنفترض أنّ هذا هو الوضع. ألا يحق له كرئيس أكبر تكتل نيابي؟ وهل يَحسدني الحريري على رواقي؟”.
وأقرّ آنذاك: “هذه ليست حكومة اللون الواحد وليست حكومة حزب الله ولا باسيل بل حكومة اختصاصيين. انتظرناه للحريري مئة يوم (ليقبل التكليف). ساعة بدّو ساعة ما بدّو. متل يللي بتقول بتجوّز ما بتجوّز. مش هيك بألّفوا حكومات”!!
لم يتغيّر الوضع بعد عام تماماً. ثمّة في محيط الرئيس عون من يجزم “ليس هكذا تؤلّف الحكومات. وحين يقتنع الحريري بالمعايير العادلة والموحّدة ليتفضّل إلى بعبدا”!
أما الحريري الذي عاد وانقلب على رغبته بـ”الاستجابة للشارع” فلا يريد أن يحوّل حكومته الى لقمة سائغة لجبران باسيل. إلى هذا الحدّ الأمور”فارطة”، وحفلات “التنتيع والتوبيخ” في الساعات الماضية بين قياديين من تيار المستقبل والتيار الوطني توحي بمزيد من التأزيم.
وقد كان لافتاً في كلام البطريرك بشارة الراعي في قداس الميلاد أمس تحميله الطرفين مسؤولية سقوط مسعاه والوصول إلى الحائط المسدود “إذ تفاجأنا بوضع شروط وشروط مضادة ومعايير مستحدثة تربط التأليف بصراعات المنطقة والعالم”، قائلاً: “كم تمنيّنا على عون والحريري أن يتحرّرا ولو مؤقتاً من جميع الضغوط”، ومتحدّثاً عن “حاجة ملحّة الى التغيير”.
وقد أتى هذا الموقف في السياق نفسه لرسالة الميلاد “القاسية”، مشيراً إلى “مصالح خاصة تتحكّم في تأليف الحكومة ويحاول فيها البعض السيطرة على مفاصل الدولة”. وقد كان لهذه المواقف صدى سلبياً في بعبدا “كونها تساوي بين المعطّل والساعي للحلّ”.
إذا، اللقاء الـ 15 بين عون والحريري مرحّلٌ إلى ما بعد رأس السنة. ولن تكون المهلة الفاصلة عن تجدّد النقاشات حول الحكومة سوى مسرحٍ لمزيد من تنكيل الطرفين ببعضهما البعض. الإعلام العوني بات يتحدّث عن “الإصلاحيين الجدد أصحاب النوايا السيئة الذين يتحمّلون قبل سواهم مسؤولية تاريخية تعود إلى 1992 عمّا وصلنا إليه اليوم”، فيما قيادات “المستقبل” تتحدّث عن “الزعران والغربان السود وفرقة المخرّبين وولي العهد المصرّ على وضع المسمار الأخير في نعش العهد المصاب بمرض الصهر”!