كتب منير الربيع في “المدن”:
تأجل الحديث في السياسة اللبنانية إلى ما بعد الأعياد. ولم يعد مدار الكلام السياسي على تشكيل الحكومة، بعدما تبددت الآمال الزائفة التي ضخها المسؤولون وتحدثوا عنها، فأسهمت في انخفاض سعر الدولار ودفع الناس للمسارعة إلى بيعه. وبعد إعلان الفشل، جاءت الصدمة ورفعت سعره، فاستفاد التجار والصرّافون وخسر الناس.
وهذه جريمة مستمرة تقترفها القوى السياسية بتلاعبها باللبنانيين ومصيرهم. وفي موازاتها تستمر تفاهة قاتلة في تبادل التهم بين الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري، حول عرقلة تشكيل الحكومة والسعي إلى تعزيز المكاسب.
جلسات التسلية بالأسماء
جديد هذه التفاهة، هي التهم التي تساق ضد الحريري بأنه “سرق” أسماء الوزراء التي اقترحها عليه رئيس الجمهورية في جلسة سابقة، وضمّها إلى تشكيلته. وتقول الرواية العونية إن الاجتماع الحادي عشر بين الرجلين، جرى فيه تبادل للأسماء. استعرض رئيس الجمهورية ورقة مكتوب عليها أسماء وزراء مسيحيين يقترحهم للتوزير، وعرضها على رئيس الحكومة المكلف، الذي اطلع على الورقة وتركها على الطاولة الفاصلة بينهما. ويتهم العونيون الحريري بأنه التقط صورة للورقة التي كتبت عليها الأسماء. وبعد مغادرته أجرى اتصالات سياسية بأصحاب الأسماء للقائهم بهدف توزيرهم. وبذلك يكون قد اختار أسماء اقترحها رئيس الجمهورية.
وهذا أزعج العونيين من الحريري، رغم أنه لم يتجاوز ما عرضه عون. وإلا لما كان عون سلّمه الأسماء. واستُخدم هذا الذي لا يرقى إلى مستوى النميمة، لاستمرار الإشكال والاشتباك حول تشكيل الحكومة.
وصلت السياسة في لبنان إلى هذا الدرك من الانحطاط. تشكيل حكومة مؤجل إلى ما بعد العشرين من كانون الثاني. وهناك ملفات أخرى مؤجلة، كترسيم الحدود، وسواها من شؤون سياسية داخلية وخارجية. ودخل البلد في وقت مستقطع قاتل، فيما القوى السياسية تستجمع تفاهاتها وتعزز ألاعيبها استعداداً للمرحلة المقبلة.
جبهة لإسقاط عون ورباعي ضده
بين العونيين وحزب الله تواصل ولقاءات، هدفها إعادة تجديد ورقة التفاهم بينهما. وحسب المعلومات، ستبحث لجان مشتركة بين الطرفين في ملفاتهما الخلافية: السلاح، ترسيم الحدود، محاربة الفساد وغيرها.
ويحاول العونيون استدراج حزب الله إلى جانبهم أكثر فأكثر على حساب الرئيس نبيه بري.
في المقابل يلتقي برّي مع الحريري وجنبلاط وفرنجية على مواجهة رئيس الجمهورية. وهذه المواجهة ستكون مفتوحة ومتفاقمة بعد عطلة الأعياد.
للقاء أهداف متعددة: قضائية، وملفات الفساد والتحقيق في الإدارات والوزارات، وفي تشكيل الحكومة. ويرفض الرباعي (بري، الحريري، جنبلاط، وفرنجية) حصول عون على الثلث المعطل وعلى الوزارات الأمنية والقضائية والعسكرية لاستخدامها في مواجهتهم.
من ناحية أخرى تعمل بعض القوى على تأسيس جبهة أخرى عنوانها إسقاط عون من رئاسة الجمهورية.
وقد تضم هذه الجبهة رؤساء جمهورية وحكومة سابقين، وشخصيات سياسية وقيادات حزبية من طوائف مختلفة، لا سيما بعد موقفين أطلقهما فرنجية وسمير جعجع يدعوان بوضوح إلى استقالة رئيس الجمهورية. وفي حال نجح الساعون في تشكيل هذه الجبهة، سيكون لبنان أمام المزيد من التوترات السياسية.
الحزب القائد
وهنا ستكون الأنظار مركزة على الحزب القائد: حزب الله الذي سيُستنفر حتماً للدفاع عن رئيس الجمهورية المتحالف معه استراتيجياً.
هذه الصراعات كلها لن تؤدي إلى إنتاج حلول، بل ستكون متماهية مع تطورات الوضع في المنطقة، والتي يتصدرها ويديرها في لبنان الحزب القائد.
والأزمات المتلاحقة ستستمر وتتفاقم، وقد تشهد انعكاسات أمنية (اغتيال جو بجاني في الكحالة، مثلاً). ولن يكون هناك أي جهة دولية جاهزة للتدخل ومساعدة لبنان، المتروك لمصيره مع حزبه القائد وأتباعه أو مطيعيه الأعداء: المزيد من الانهيار.