هل يُنعش التطبيع السوري – الإسرائيلي نظام الأسد؟

كتب علي حمدان في “القبس”:

لا شك أن مناوئي سياسات باراك أوباما الخارجية في الشرق الأوسط لا تسرهم مشاهدة الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن يعيد تعيين مستشارين من إدارة أوباما في مناصب رفيعة، حسبما ورد في مقال للصحفي اللبناني-الأميركي موفق حرب في صحيفة «الدايلي ستار».

الرئيس ترامب قام بقلب سياسات سابقه باراك أوباما على كافة الأصعدة ما عدا المسألة السورية، فإدارة ترامب خرجت من الإتفاق النووي مع إيران، وقامت بنقل السفارة الأميركية في إسرائيل الى القدس، وآعترفت بضم الجولان المحتل للأراضي الإسرائيلية، وبدّلت موقفها التاريخي المعارض للتوسع الإستيطاني في الأراضي الفلسطينية المحتلة، لكن في ما يخص سوريا، فتحرص واشنطن على حد أدنى من الإنخراط منذ حقبة أوباما وحتى الآن، فمنذ تصعيد إدارة الرئيس الأميركي ذو الأصول الإفريقية ضد دمشق وتحذيرها من إستخدام الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين واستجابة الأخير بالتخلص منها، قامت الولايات المتحدة بالحد من تدخلاتها في الشأن السوري، حيث اقتصر دورها على إرسال المساعدات الإنسانية وتكثيف الجهود الدبلوماسية الرامية الى قطع الطريق أمام وصول النظام الى حل سياسي لأزمته مع المجتمع الدولي سواء من باب تذرعه بإعادة الإعمار وانتشال البلاد من الدمار الذي خلفته الحرب المستمرة أو غيرها. في الوقت عينه، حافظت واشنطن على وجود عسكري محدود في سوريا كجزء من حربها ضد الدولة الإسلامية في العراق والشام، أما دعمها للقوات الكردية وسيطرتها على حقول النفط في البادية السورية فيأتيان في إطار مواجهتها لداعش أيضاً من أجل حرمانها من أمرين أساسيين: الإستفادة من عمليات التهريب، والمصادر المالية للنفط.

بلغت أزمة اللاجئين أوجها خلال عهد باراك أوباما، إلا أن انكفاء الجماعات المعارضة في سوريا وتقدم الجيش السوري بمساعدة كل من روسيا وإيران إنعكس إيجابياً على الأزمة من خلال تقلص دفق اللاجئين السوريين نحو الغرب فغض ترامب النظر عن القضية مع احتفاظه بلهجة دبلوماسية حادة تجاه دمشق مصحوبة بعقوبات مستمرة على على شخصيات رفيعة تابعة لنظام الأسد. تاريخياً، لم تنعم دمشق بعلاقات دبلوماسية دافئة مع واشنطن، تقول الصحيفة، إِلَّا أن التقارب بين البلدين حدث بعيد غزو صدام حسين لدولة الكويت حيث قام الرئيس السوري حينها حافظ الأسد بالإنضمام الى التحالف الذي قادته الولايات المتحدة الأميركية من أجل تحرير لؤلؤة الخليج. خطوة الأسد الأب هذه عبدت الطريق أمام المساعي الأميركية لمحادثات السلام بين إسرائيل وسوريا في ذلك الحين، لكن واشنطن لا ترى أي فائدة من إعادة الزخم الى قنواتها الدبلوماسية مع دمشق في الوقت الحالي، فواشنطن وتل أبيب تشككان بقدرة نظام الأسد الإبن الضعيف على إستئناف محادثات السلام مع الدولة اليهودية على غرار ما حصل مع دول عربية عدة مؤخراً.

من أجل فهم أفضل لتردد واشنطن في التدخل بالشأن السوري لا بد من قراءة العلاقة ما بين روسيا فلاديمير بوتين والإدارات الأميركية المتعاقبة، ففي كتابه الأخير «الغضب» نقل الصحافي الأميركي الإستقصائي بوب وودارت، عن وزير الخارجية الأميركي الأسبق ريكس تيلرسن وصفه لمحادثة دارت بين الأخير وبوتين والذي كانت تربطه به علاقات جيدة خلال فترة تولي تيلرسن لمنصب الرئيس التنفيذي لـ «إكسون موبيل» الأميركية والتي تستثمر بضخامة في نفط موسكو، نقل لترامب عدم ثقة بوتين بأوباما منذ حصول أزمة ليبيا، وبالرغم من مساعدة الرئيس الروسي لأوباما على إصدار قرار التدخل العسكري في ليبيا عن مجلس الأمن حينها، إلا أن القيصر لم يثق بأوباما أبداً.

«سوف أمتنع عن التصويت لأجلك»، ينقل تيلرسن كلمات بوتين هذه لأوباما، فالرئيس الروسي أراد أن يعبّر من خلال عبارته هذه عن إنفتاحه على التعاون مع الرجل، ولكن عند قيام أوباما برسم الخطوط الحمراء على استخدام الأسلحة الكيميائية تم التواصل بين الرجلين مجدداً، حيث أعرب بوتين تفهم رده فعل نظيره الأميركي حيال سوريا، لكنه أبلغه في الوقت عينه بأنه لن يسمح لواشنطن في سوريا بتكرار الأخطاء التي ارتكبتها واشنطن في ليبيا لأن مصالح روسيا في دمشق تحتم عليها ذلك، هذا ما قاله بوتين لأوباما بناء على كتاب الصحفي الأميركي. فتجربة رجل الكرملين المريرة مع أوباما في ليبيا أصبحت تعرف «الدوار الليبي»، وهو المصطلح الذي يستخدمه الدبلوماسيون الروس في لقاءاتهم مع نظرائهم الأميركيين والأوروبيين في محادثاتهم السياسية.

بناء على ما تقدم يطفو السؤال الآتي: كيف ستؤثر إدارة بايدن والمؤلفة من مستشارين ودبلوماسيين قاموا بهندسة الإتفاق المنفر لبوتين في سوريا على العلاقة مع روسيا؟ وهل سيتمكن بايدن من إعادة بناء جسور الثقة مع نظيره الروسي رغم عدم استساغة الأخير لسلفه الديمقراطي أوباما؟ فريق مستشاري الأمن القومي الدين قام بتسميته بايدن عبر عن أن حقوق الإنسان هي طريق الإدارة الجديدة الوحيد لنسج علاقات دبلوماسية جيدة مع دول العالم، لكن التاريخ يقول بأن الإتفاقات السياسية والمصالح الوطنية تتقدم كل شيئ، وأنها غالباً مع تتم على حساب حقوق الإنسان والديمقراطية والحريات.

لا شك بأن السياسات الأميركية تجاه سوريا سوف تخضع لمراجعة معمقة من قبل إدارة بايدن، إِلَّا أن التأمل بحدوث تغييرات جذرية في مقاربة الشأن السوري يبقى وهماً، ودلالات السياسات الأميركية الجديدة تجاه سوريا سوف تبصر النور قريباً مع ردة فعل البيت الأبيض على الإنتخابات الرئاسية المقبلة في سوريا. هل تتمكن روسيا من إنعاش نظام الأسد عبر وعود بإبرام معاهدة سلام مع إسرائيل؟ وماذا ستكون ردة فعل إيران في حال حصول ذلك؟

من شأن أسئلة كهذه أن تؤطر السيناريوهات المتوقعة للمشهد السوري في الأشهر القادمة، تختتم الدايلي ستار مقالتها.