كيف تُسهل قوانين السرية المصرفية في لبنان التهرب الضريبي؟

المدن

أنجز دايفد وود وعلا عبدالله ورقة حول دور السرية المصرفية في فشل السياسة الضريبية في لبنان، بما ساهم في سوء السياسة المالية وفاقم من الأزمة الاقتصادية.كيف تسهل قوانين السرية المصرفية في لبنان التهرب الضريبي، وتضر بالاقتصاد الوطني؟فيما يتجه لبنان نحو الانهيار الاقتصادي، تقبع الأجوبة على الأسئلة الصعبة وراء غطاء من السرية المصرفية وقوانينها الصارمة. هل يقوم النافذون بإخفاء أموالهم غير المشروعة في المصارف اللبنانية؟ أيٌّ من أصحاب الحسابات الذين استفادوا من نظام البونزي اللبناني المنظم يتوجب عليهم تلقي الجزء الأكبر من “قص الشعر” (Haircut) لحساباتهم المصرفية؟التساهل الحكوميتقف السرية المصرفية حاجزاً صلباً بوجه إدارة مالية أكثر عدلًا وإستدامة وتقدمية، ما يمنع لبنان من خفض الدين العام وتحفيز الاستثمار. إذ تشير التقديرات إلى أن لبنان يستحصل على أقل من نصف إيراداته الضريبية المفترضة. وهذا سببه أن الحد الأعلى للضرائب يعد منخفضاً بشكل مرعب (20 في المئة). هذا إلى جانب فشل الحكومة في فرض وجمع الضرائب التصاعدية، التي من خلالها يدفع المواطنون ضرائب تأخذ بالحسبان امكاناتهم ومداخيلهم.إلى جانب تساهل الحكومة تجاه الالتزام الضريبي، تساعد السرية المصرفية العديد من اللبنانيين بتقديم عائدات ضريبية غير صحيحة، لمعرفتهم أن وزارة المالية لا تستطيع أن تتحقق من صحتها، من خلال التدقيق في حساباتهم المصرفية بشكل مباشر. لذلك اتجهت الدولة تاريخياً لفرض الضرائب الرجعية، المماثلة لضريبة الواتس أب المقترحة، والتي يحمل عبئها ذوي الدخل المحدود. أدت هذه السياسات لزيادة انعدام المساواة في المجتمع وارتفاع حدة الضيق الاقتصادي اللذين يمثلان الوقود للتظاهرات الحالية.هيئة التحقيقالطريق الوحيد للالتفاف على السرية المصرفية، هو من خلال هيئة التحقيق الخاصة. وهي هيئة غير منتخبة، تستطيع أن تجبر المصارف على الكشف عن الحسابات المصرفية وبياناتها في حال الاشتباه بارتباطها بجرائم مالية. وفي الحقيقة، هيئة التحقيق الخاصة تأسست تلبيةً لضغط من حكومات أجنبية – أولها الولايات المتحدة الأميركية – لمكافحة تبييض الأموال. تبقى الهيئة مخلصة لأُصول نشأتها، إذ أنها من المرجح أن ترفع السرية المصرفية لصالح دعاوى مرفوعة من قبل جهات خارجيةن في حين أن الهيئة نادرًا ما تشير للمصارف بالكشف عن هذه المعلومات لصالح وزارة المالية، التي تمثل السلطة الضريبية في لبنان.نتيجة للتدقيق الخارجي المتزايد، بات لبنان وجهة أقل جاذبية لإخفاء الأموال وحفظها. لكن السرية المصرفية ما زالت تقيد إيرادات الدولة. بناءً على ما تقدم، ربما حان الوقت للبنان التخلي عن هذه الممارسة تمامًا. لكن إزالة السرية المصرفية بشكل مفاجئ وتام قد يؤدي للمزيد من الضرر، فالسرية المصرفية تشكل إحدى أعمدة القطاع المالي اللبناني. وإزالتها بسرعة قد تؤدي للمزيد من هروب رؤوس الأموال. وهو آخر ما يحتاجه لبنان في هذه اللحظة.خطوات متدرجةبدلًا من ذلك، على لبنان أن يسعى لتفكيك إطار السرية المصرفية بالتدريج.أولًا، السرية المصرفية يجب أن تُرفع عن جميع الموظفين الحكوميين والشاغلين للمناصب العامة، إلى جانب كل الجهات التي مُنِحت عقود حكومية.ثانيًا، الإصلاحات يجب أن تضمن للمحقق المالي أن يصل لحسابات جميع المواطنين اللبنانيين، ما سيمهد الطريق لنسبة أكبر من الالتزام بمفاعيل الضرائب المتصاعدة.ثالثًا، يتوجب على أصحاب الودائع غير المقيمين في لبنان خسارة حقهم بالسرية المصرفية لاحقاً.من أجل أن تتحقق تلك الخطوات الأخيرة، يجب على المصارف اللبنانية التوقف عن الاتكال بشكل كامل على ما يسمى بالانتصارات السهلة: توفير خدمات الملاذ الضريبي وتقديم نسب فوائد متصاعدة الارتفاع. بمعنى آخر، على المصارف اللبنانية البدء بالعمل جاهدًا للحصول على أموالها ولعب دورها الجاد في خدمة الاقتصاد اللبناني وتحفيز النمو. وبدل تمويل الدين العام، على القروض أن تذهب لقطاعات عالية الخطورة، لكن تتميز بكونها عالية الانتاجية. وأن تذهب أيضًا للمشاريع الصغيرة التي تضمن الوظائف وقاعدة زبائن لقطاع مالي أكثر صحة واستقرارًا.