اقتصاد تركيا لا يستطيع تحمّل المقاطعة العربية

تساءل الخبير الاقتصادي التركي مصطفى سونميز عن تداعيات الردود العربية على سياسات أنقرة في الشرق الأوسط، مع تعثّر الاقتصاد التركي نتيجة جائحة كورونا وأزمة الليرة المندلعة منذ العام 2018، مؤكداً أنّ الاقتصاد “ضعيف جداً لصرف النظر أو استيعاب ردود انتقامية واسعة النطاق”.
وفي تقرير نشره موقع “المونيتور”، انطلق سونميز المعروف بمعارضته لسياسات الحكومة وانتقاده لحزب “العدالة والتنمية”، من الموقف المصري، مشيراً إلى أنّ القاهرة تقف في مقدمة الجهود الرامية إلى تكوين موقف عربي موحّد في مواجهة تركيا؛ دعا وزير الخارجية المصري سامح شكري بعد اجتماع لجامعة الدول العربية إلى وحدة الدول العربية لردع تركيا، كما رحب البيان الختامي لجلسة الجامعة بتشكيل لجنة لمراقبة التدخل التركي (في شؤون الدول العربية) ومعالجته.
للراغبين بالهجرة إلى تركيا.. هذا ما عليكم معرفته
أردوغان: ليست لدى تركيا أي أطماع في أراضي وثروات أحد
وأوضح الخبير التركي- الذي سبق أن أوقفته السلطات في أنقرة بتهمة إهانة الرئيس رجب طيب أردوغان- أنّ العلاقات الاقتصادية التركية-العربية تعززت خلال العقديْن الماضييْن، على مستويات التجارة والتدفقات الاستثمارية والسياحة، من دون أن تصبح البلاد العربية الشريك الاقتصادي الأول بالنسبة إلى أنقرة. وعلى الرغم من تأكيد سونميز أنّ تأثير الأعمال الانتقامية العربية سيكون محدوداً لو حصل وسط ظروف عادية، حذّر من قدرة المقاطعة العربية الفعالة على إلحاق الضرر بالاقتصاد التركي. ونظراً إلى الانخفاض الحاد بسعر صرف الليرة مقابل الدولار ونزوح المستثمرين الأجانب، نبّه سونميز من عجز الاقتصاد التركي عن تحمّل خسائر جديدة في إيرادات العملات العربية وتدفقات الرساميل الأجنبية.
وفي هذا الصدد، تناول سونميز المقاطعة السعودية للسلع التركية، مشيراً إلى أنّ تقريراً صحافياً تركياً نقل عن مطلعين قولهم إنّ شركاءهم السعوديين أبلغوهم بوقف شحن البضائع بسبب منع السلطات السعودية دخول الواردات القادمة من تركيا. إشارة إلى أنّه سبق للأتراك أن اشتكوا مطلع العام الجاري من أنّ السلطات السعودية تحتجز الشاحنات التي تحمل الفاكهة والخضار على الحدود وتضغط على التجار المحليين لوقف التعامل التجاري مع تركيا، بحسب الخبير.
من جهته، حذّر النائب عن حزب “الشعب الجمهوري” المعارض، محمد غوزلمنصور، من عدم حل مشكلة الحظر السعودي، ملمحاً إلى إمكانية اتخاذ الإمارات والبحرين وسلطنة عمان خطوات مماثلة.
في ما يتعلق بالصادرات التركية، أكّد سونميز أنّها تراجعت هذا العام، فبعدما كانت تُقدّر بنحو 90 مليار دولار في الأشهر السبع الأولى من العام، انخفضت بنسبة 13.% عن الفترة نفسها، وفقاً للمعهد التركي للإحصاء. وتشير الأرقام إلى أنّ قيمة الصادرات التركية إلى البلدان ذات الأغلبية العربية قُدّرت بنحو 17 مليار دولار أي نحو 19% من القيمة الإجمالية. وفي العام 2019، استوردت البلدان العربية بضائع تركية بقيمة 36 مليار دولار تقريباً، أي نحو خمس الصادرات التركية المقدّرة قيمتها الإجمالية بـ180 مليار دولار. وقدّرت حصة العراق من الصادرات التركية إلى البلدان العربية بـ28%، أي نحو 10.2 مليار دولار، وتليه الإمارات بنسبة 10% وبعدها مصر بنسبة 9.7% وأخيراً السعودية بنسبة 9.2%.
على مستوى الاستثمارات العربية المباشرة في تركيا، فقُدّرت قيمتها بـ34 مليار دولار في العام 2019، أي نحو 21% من الاستثمارات الأجنبية في البلاد البالغة قيمتها الإجمالية 150 مليار دولار، وفقاً لبيانات المصرف المركزي التركي. وتستحوذ قطر على نسبة 68% أي ما يعادل 22 مليار دولار من الاستثمارات المباشرة في تركيا، ثم تليها الإمارات بقيمة 6 مليارات دولار، أما حصة السعودية فلا تتخطى المليار الدولار.
سياحياً، شكّل العرب نسبة 10% من الأجانب الذين زاروا تركيا في الأشهر الثماني الأول من العام الجاري الذي شهد تراجعاً كبيراً في حركة السياحة بسبب كورونا، إذ انخفض عدد السياح بنسبة 77% ليبلغوا 7 ملايين تقريباً. وفي العام 2019، شكلت نسبة السياح العرب 10% من أصل 45 مليون أجنبي زاروا تركيا.
وبناء على البيانات المذكورة أعلاه، اعتبر سونميز أنّ العلاقات الاقتصادية التركية ما زالت متمحورة حول الغرب، لا سيما أوروبا، مستبعداً أن تعمد الدول العربية إلى مقاطعة تركيا نظراً إلى الانقسامات في مواقفها. ولكن سرعان ما استدرك سونميز محذراً من عجز تركيا عن تكبّد أي خسارة في الأسواق أو الاستثمارات العربية في الوقت الراهن، بسبب الاضطراب الاقتصادي الحاصل وأزمة العملة الصعبة التي تعصف بالبلاد.