الموقف الفرنسي من لبنان لم يتبدّل، المعادلة هي نفسها: الإصلاحات- مع ما تنطوي عليه- مقابل المساعدات. وإذا كان الرئيس إيمانويل ماكرون زار بيروت عقب انفجار المرفأ معرباً عن تضامنه مع اللبنانيين ومعلناً عن مبادرة “طموحة” باتجاه عقد جديد، جاء وزير الخارجية جان إيف لودريان ولاقاه في منتصف الطريق.
ففي تصريح لافت بتوقيته، أعاد كبير الديبلوماسيين الفرنسيين أمس تحذير المسوؤلين اللبنانيين. وبعد ساعات من إعلان الرئيس سعد الحريري سحب اسمه من التداول، نبّه لودريان المسؤولين في لبنان من استخدام “الكارثة التي حلت في العاصمة بيروت ذريعة لإخفاء حقيقة أن الدولة تقف على حافة الهاوية”.
وقال لودريان إنّ ماكرون “يخطط لزيارة لبنان قريباً ويود أن يكرّر رسالته للمسؤولين اللبنانيين بعدم التقاعس عن مسؤولياتهم والدفع نحو تغييرات جذرية”. ينسجم التصريح الفرنسي هذا المطلب الأميركي، على الرغم من التبدّل الطفيف الذي طرأ على المقاربة الأميركية، وهذا ما سيؤكده مساعد وزير الخارجية ديفيد شينكر خلال زيارته المرتقبة إلى لبنان.
حالة النكران التي تعيشها الطبقة السياسية كانت موضوع تقرير نشرته “فايننشال تايمز” تعليقاً على المستجدات الحكومية. ومع اقترب الزيارة الثانية لماكرون المتوقعة في 1 أيلول، تقول الصحيفة البريطانية: “(..) تؤخر الانقسامات والمساومات إحراز أي تقدم.
وعلى الرغم من أنّ الأزمة تتفاقم، لم يتم الاتفاق على مرشح حقيقي لرئاسة حكومة جديدة”. ونقلت الصحيفة عن ديبلوماسي غربي تعليقه على الجمود في الملف الحكومي بالقول إنّ الزعماء اللبنانيين يتابعون “أمورهم كالمتعاد”.
وفي قراءته لخطوة الحريري، رأى المحلل السياسي بشار الحلبي أنّ المنظومة السياسية في لبنان “اصطدمت بجدار منذ فترة طويلة ويستحيل أن تتقدّم”، مؤكداً أنّ أزمة لبنان “ضخمة وغير مسبوقة على كل المستويات ولا يبدي أحد استعداداً لتحمّل هذه المسؤولية”.
في السياق نفسه، علّق ديبلوماسي عربي بالقول: “حاول الفرنسيون إقناع الجميع بتقديم تنازلات وتأليف حكومة من دون أن تكون سياسية بالضرورة، لكن تحظى بدعم جميع الأفرقاء، أي نسخة ملطّفة من حكومات الوحدة الوطنية”.
وتحدّث الديبلوماسي عن مخاوف من سعي الخصوم في الإقليم إلى التأثير على تشكيل الحكومة الجديدة، قائلاً إنّ السعودية لا ترغب في أن يتولى الحريري رئاسة الحكومة، على الرغم من أنّه بدا أنّه المرشح المفضل. بدوره، اعتبر مدير المعهد المشرق للشؤون الاستراتيجية، سامي نادر، أنّ “مقاربة السعوديين لـ”حزب الله” باتت أكثر راديكالية”، موضحاً أنّ هذا الواقع يعني أنّهم غير مستعدين لدعم حكومة يسيطر عليها الحزب.
وتابع نادر: “زمن الاسترضاء ولى”. ونظراً إلى السياسات الأميركية والسعودية المناوئة لإيران، اعتبر الحلبي أنّ السعودية “لن تسارع إلى إنقاذ “المنظومة” في لبنان. ولذلك لن يغطوا الحريري”.
من جانبه، رأى المحلل السياسي السعودي المقرب من الديوان الملكي، علي الشهابي، أنّ دول الخليج تتمتع بخبرة واسعة لجهة “العجز عن التأثير على الحكومة، بما يتعدى حدود الشكل”، مضيفاً: “يمكن للمرء أن يحرّر قدر ما يشاء من الشيكات، ولكن التأثير النهائي يكمن بيد أصحاب القوة العسكرية”.الصحيفة التي قالت إنّ واشنطن قلقلة أيضاً من دور “حزب الله”، ذكّرت بتصريح المبعوث الأميركي ديفيد هيل الذي قال فيه: “تركيزنا على الإصلاحات نفسها”، مضيفاً: “قد يكون “حزب الله” جزءا من الحكومة وقد لا يكون كذلك.
لقد كانوا في الحكومات الماضية. لقد تمكنا من التعامل مع الحكومات في الماضي مع وجود عنصر حزب الله”.
في ما يختص بالأسماء المطروحة لرئاسة الحكومة، ومنهم السفير نواف سلام والنائب فؤاد مخزومي، بحسب الصحيفة، فإنّ الرجليْن يفتقدان للدعم الشعبي.
وأمس، تمنى الحريري سحب اسمه من التداول، في خطوة تأتي بعد لقاء جمعه مع المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، الذي كان قد التقى صباحاً رئيس الجمهورية ميشال عون في قصر بعبدا، حيث تمّ عرض التطورات والأوضاع العامة.
المصدر: ترجمة “لبنان 24” – FT