كتب عصام الجردي في “المدن”:
لا بديل من قانون مدني لانتخابات نيابة مبكرة، لإعادة بناء الدولة ومؤسساتها على أسس الحرية والديموقراطية والتنمية والعدالة الاجتماعية والمواطَنة. وسلطة القانون والحقوق والواجبات وفصل السلطات والفرص المتكافئة.
السيادة والدفاع عن الوطن مكفولان بالضرورة بعد اكتمال الأسس تلك. قبل ذلك ثرثرة ورياء.
في اللحظة التي افتقدنا فيها كل مقومات الدولة والحكم الصالح، وشروط العيش الإنساني والحياة البشرية، مهددون بغائلة كورونا التي قد تحمل الجهاز الصحي والإستشفائي على المفاضلة بين من يمكن علاجه وبين الميؤوس منه لقصور الإمكانات.
بعد كارثة مرفأ بيروت، تداعت عشرات الدول والوكالات الدولية مشكورةً لنجدة لبنان وغوث شعبه.
كل الجهات المانحة قالت بصوت واحد لا نريد توجيه المساعدات إلى الحكومة اللبنانية بل إلى الشعب مباشرة وإلى هيئات المجتمع المدني تتولّى توزيعها. لا ثقة بالحكم والحكومة في لبنان. جاءت استقالة حكومة حسّان دياب لتؤكد الحقيقة المرّة.
النظام السياسي عاجز كليًا عن إعادة تشكيل مؤسساته بما في ذلك إجراءات تشكيل الحكومة البديلة بموجب الدستور. رئيس الجمهورية ميشال عون لا ينبري إلى تحديد موعد للإستشارات النيابية “الملزمة” بموجب الدستور. لو فعل وكلّف سعد الحريري المهمّة بنتيجة الإستشارات، سيواجه الأخير بمعارضة.
لأن تكليفه شيء، والتأليف شيء آخر! ونمضي إلى كورونا الموت، وسط انهيار مالي واقتصاد سالب النمو. وفقر تجاوز 50 في المئة. وبطالة بلا رقم. وهجرة لمن استطاع إليها سبيلًا. ولا نزال نحاول الخروج من كارثة المرفأ الإنسانية والاقتصادية. مساعدات الغوث وردت للشعب. النظام بات قاصرًا حتى عن تقبل مساعدات دولية. ماذا بقي بعد؟
القانون قبل الانتخابات
عدم تعديل قانون الانتخاب واستقدام موعد الانتخابات، يعني إقصاء الشباب وقطاع عريض من الجيل الجديد عن السلطة. أي الصبايا والشباب والطلبة الذين هبّوا بتفانٍ بعد انفجار المرفأ إلى إغاثة السكان في المناطق المنكوبة من العاصمة. وإلى إزالة الردميات والمساعدة في إعادة الإعمار وتقديم كل أشكال العون تطوعًا ليل نهار. هؤلاء الأمل الباقي في الوطن للحاضر وللمستقبل. هؤلاء عدّة الثورة انتقلوا من الشوارع مباشرة إلى حيث هم الآن منذ 4 آب.
إرتعدت المنظومة السياسية البائسة والفاسدة منهم. أرسلت زعرانها وزبائنها لقمعهم. وتلقّوا الرصاص المطّاط والحي من القوى الأمنية.
وممّا يسمّى شرطة “مجلس نوّاب الأمّة”! هل يُعقل أن تكون هذه الفئات وأعداد كبيرة منها تحت سن الثانية والعشرين مقصية عن حق الإقتراع بقانون الانتخابات النيابية؟ نخطئ لو اعتقدنا أن لائحة الإقصاء هذه التي يفرضها قانون الإنتخاب المذهبي والطائفي وقفًا على تلك الفئات العمرية. فالقانون المتخلّف يقصي طوعًا فئات واسعة من الشعب اللبناني تقاطع الإنتخابات لاسيما منها المثقفون والتوّاقون إلى الحرية والعدالة الاجتماعية والنظام المدني.
إختلالات القانون الحالي تمنع بدعوى حقوق الطائفة والمذهب تشكيل دولة ومؤسسات ومواطَنة. وتحضّ على هجرة الموارد البشرية التي استثمرت فيها الأسر باختلاف مستويات دخولها ومواردها المالية على حساب رفاهيتها ورغد العيش.
وتقصي في آن الوطن عن استثمار تلك الموارد البشرية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
هذا الإنتهاك الأخطر للمعايير القيمية لبناء الدولة وحقوق المواطَنة وحقوق الإنسان. نحن نعتدّ أنّ لبنان كان بين الدول التي وضعت شرعة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة. لكنّنا نتجاهل العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الصادر عن الأمم المتحدة الذي شكّل جوهر شرعة حقوق الإنسان وأكسبها بعدًا اقتصاديًا واجتماعيًا وثقافيًا، بإعلانه حق الإنسان بالعمل والصحة والتعليم والسكن والتعبير عن الرأي بحرية والإشتراك في السلطة.
ريعان في نظام واحد
النظام السياسي الطائفي الزبائني هو ريعي كالنموذج الاقتصادي. كلاهما لا يعمل فرادى. إذ لمجرد انتفاء صفة المواطن للفرد والمواطَنة للجماعة، تتغلب صفة الزبون والزبائنية على النظام السياسي. تُستحصّ مؤسسات الدولة الإدارية والمالية والخِدمية امتيازات لزعماء الطوائف.
فحين التوافق فعلى اقتسام المنافع والفساد والنفوذ يتوافقون. لهذه الأسباب لم تسفر ثماني عشرة جولة من المفاوضات مع صندوق النقد الدولي إلى نتيجة.
الإصلاحات تعني تنازل زعيم الطائفة السياسي عن الامتيازات. ولا يخرج هذا النسق عن الإصلاح الإداري. وحين التنابذ ننكشف على الخارج نستنصره لتعديل موازين القوى في الداخل.
نموذج الاقتصاد الريعي يفترض بالضرورة انكشافًا على الخارج كما انكشاف النظام السياسي الطائفي. نستورد نحو 75 في المئة من حاجات الإستهلاك. العمالة الأجنبية لكل القطاعات. وخدم المنازل. نستدين بأعلى الفوائد العالمية. يتكفّل بكل ذلك تدفقات نقدية خارجية.
هي التي كانت صاعق تفجير الأزمة المالية، بعدما توقفت التدفقات وتحولّت سالبة في ميزان المدفوعات. ولدينا 2.5 مليار دولار أميركي عجزًا في النصف الأول 2020. تراكم العجز فتوقف تمويل النظام السياسي الزبائني واقتسام المنافع. وكان ثمن ذلك مريعًا.
أن تبخرّت ودائع الناس وتوقفّت الدولة عن سداد التزاماتها الخارجية. وعمّ الفقر والبؤس. والباقي تعرفونه..
شركات الضمان وبوالصها
بقيت شركات الضمان الآن تنتظر التقرير النهائي العدلي عن أسباب انفجار المرفأ. احتمال الإنفجار المفتعل بعمل تخريبي أو حربي “بشرى سارّة” للشركات، يعفيها من التزامات بوالص محمولة عليها لا علاقة لها بالأعمال الحربية والإرهابية. بما في ذلك بوالص التأمين على الحياة. وتحصيل حاصل الأضرار الناجمة عن عمل حربي أو إرهابي. يشمل ذلك المنازل والمؤسسات التجارية.
عدا الذين يحملون بوالص ضد المخاطر غير التجارية. شركات إعادة التأمين الدولية المقتدرة ستتكفّل بالتزاماتها على الأسس نفسها. يحتاج هذا الملف إلى أكثر من دائرة في وزارة الاقتصاد والتجارة التي تتابع الملفّ والمعنية بشركات الضمان. كل المحاولات لتأسيس هيئة رقابة على شركات الضمان مثل لجنة الرقابة على المصارف باءت بالفشل.
علمّا، أن هذا القطاع شهد تطورًا في العقود الماضية لعلاقته المباشرة بعقود التأمين المصرفية من جهة، وبعد دخول المصارف في ملكيات الشركات من جهة ثانية.
علينا أن ننتظر أزمة أخرى بين شركات الضمان وبين عملائها تضاف إلى أزماتنا. لكنها مناسبة لإعادة تأسيس هذا القطاع على قواعد جديدة تتّسق والمعايير الدولية ولوائحها التنظيمية.يجب البدء باستشارات تأليف حكومة بموجب الدستور تستجيب نبض الشارع والناس.
أولوياتها باتت معروفة.
تعديل قانون الانتخابات النيابية واستقدام موعدها مهمّة أساسية، والملتقى السلمي الديموقراطي لتغيير في السلطة حدًا أدنى. الخيارات تضيق والوطن ضاق ذرعًا.