لقاء الراعي والسفير الإيراني .. فأين الحياد؟

في محاولة أخيرة لتفادي الكارثة الكُبرى، وفي ظل تخبُطّ حكومة حسان دياب، علّا صوت بكركي حاملةً هواجس 18 طائفة في لُبنان، لسان يستمر في النداء الى الحياد، من دون ادنى شك ولطالما كانت بكركي رسولة للتقارب والإلتقاء، لعبت دوراً ريادياً في أصعب الظروف واسوأ الأزمات في خضم الحروب الأهلية في لبنان التي استنزفت الوطن وكبدت آلاف الشهداء منذ اعلان دولة لبنان الكبير.

يستمر نداء البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي حول فك الحصار عن الشرعية وطلب مساعدة الأمم المتحدة لتطبيق حياد لبنان بالتفاعل. وقد انتقل الراعي بعد ظهر الأربعاء إلى قصر بعبدا للقاء رئيس الجمهورية ميشال عون وشرح أهمية هذا النداء إنطلاقاً من كونه يمثّل مبادرة إنقاذية، فيما أوساط الرئيس عون أشارت إلى أنه أكد للراعي “أن التوافق بين المكوّنات اللبنانية هو الأساس لأي خيار يتناول الواقع اللبناني”، واعتبر أن الوفاق الوطني هو الضمانة الأساسية لأي حل للأزمة اللبنانية.

وعُلم ان غبطة البطريرك الراعي سيحمل ملف لبنان الى الفاتيكان في مطلع الأسبوع المقبل وعلى رأسها الحيادية عن كافة الصراعات الإقليمية من الشرق وصولاً الى الغرب .تميز مركز لبنان المالي بقوانين حفظ السرية المصرفية الشبيهة بتلك المطبقة في سويسرا، وهو ما نتج عنه ازدهار اقتصادي وسياحي وسياسي واجتماعي، وبلغت قيمة الليرة اللبنانية آنذاك مقابل الدولار بـ 3،3 ليرة لبناني.

بالفعل عاش لبنان عصراً ذهبياً في خمسينات العصر الماضي، بات اليوم الوضع مختلفاً تماماً بحيث يعيش تدهوراً اقتصادياً وانعواجاً سياسياً متخبطاً بأحزابه الطائفية والمصلحة الآنية المتقدمة على شؤون الوطن المقدسة.تعود إلى الأذهان لبنان في عصره الذهبي، الذي أشرق منذ منتصف الخمسينات حتى منتصف السبعينات، ولقب “بسويسرا الشرق” فبعد تخبط حكومة حسان دياب وتصريحه الأخير ان هناك من يحاول العرقلة، واصفاً الأمر بالمعيب والأقرب إلى الخيانة الوطنيّة، فلا إصلاحات جدية، وكل الطروحات الإنقاذية اصبحت مضيعة للوقت فلا بديل لحل ازمة لبنان سوى “الحياد” لربما تعيده الى زمن “سويسرا الشرق”.وفي خطوة إستباقية وعشية جولة البطريرك الراعي، بدايةً الى الفاتيكان ومن ثم الى الأُمم المتحدة في مطلع أيلول القادم، حضر السفير الإيراني في لبنان “جواد فيروزنيا” ضيفاً في الديمان ، فرض اللقاء نفسه بطرح الأمور كما هي بأن دولة إيران تريد مساعدة لبنان وهناك اطراف خارجية تمنع ذلك.

وقال السفير الإيراني “نحن على الرغم من العقوبات فإننا نتابع ملف دعم الحكومة والشعب اللبناني بكل ما يريد من نفط وكهرباء وغيره في الصناعة والزراعة والدواء ومختلف القطاعات الاقتصادية وغيرها”.

وفي سياق آخر، اعتبر أن اميركا لا تكتفي بأنها لا تساعد بل إنها تمنع الحكومات من الحصول على مساعدات.وفي سياق مشابه لموقف ايران يتحفظ حزب الله على طرح فكرة الحياد والنأي بالنفس، لأن لبنان ليس بمعزل عن صراع يدور في المنطقة ككل وعلى رأسه الصراع العربي – الإسرائيلي، وتوسع حتى وصل الى اليمن والعراق وسوريا والساحة اللبنانية.

تدرك جيداً المنظومة السياسية اللبنانية ذلك، انطلاقاً من هنا تسعى واشنطن جاهدة لإحياء الحلف القديم الجديد لها، بِضمّ اكبر عدداً من شخصيات مألوفة براغماتية حافظة الدرس جيداً، شبيهة بما سميت “بقرنة شهوان” آبان الوجود السوري في لبنان.واليوم أولى مهمات الحلف حشد جبهة سياسية متنوعة الأطياف بتلوين طائفي مذهبي لمواجهة حزب الله وحلفائه، برضى ومباركة غربية واوروبية، وبدعم أميركي لوجيستي ومالي وترويج اعلامي كبير.

انطلاقاً من طرح رأس الكنيسة المارونية “الحياد”، وفي محاولة لكسب الطائفة الأورثذكسية ايضاً ممثلة بالمطران عودة، بالفعل بدأت التحركات والزيارات لإنضاج هذا الطرح المستجد والذي فرض بقوة على الساحتين الداخلية والخارجية.

فرغم تحفظ حزب الله العلني عن لسان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، لكنه في المضمون والجوهر مرفوض، لان الحزب يعتبر ان هناك محاولة أميركية لتطويقه وعزله بالتواطؤ مع قوى داخلية لبنانية، من ثم تضييق الخناق ومحاصرته وقطع شرايينه الممتدة شرقاً الى طهران، فقوة ايران بحزب الله والعكس تمام.من ابرز اجندات هذا الحلف الاميركي في المرحلة القادمة، هو تحميل الحزب وزر الإنهيار الاقتصادي والمعيشي على قاعدة صمته عن الفساد والمفسدين وتطبيق اجندة طهران، وتدخله في حروب الغير على أراضي الآخرين، واقحام لبنان في صراعات كانت نتائجها مدمرة وكارثية، واخيراً هيمنته على الحكومة وكل مفاصل الدولة العميقة وحصر السلاح بيد الشرعية اللبنانية وقرار الحرب والسلم الخ ..

بكل الأحوال، بات من الصعب اليوم أن يلتزم لبنان الحياد حيال صراعات المنطقة، وتهديد إسرائيلي مستمر في حرب شاملة على سوريا ولبنان، وآخرهم قانون “قيصر”، حتى لو اقتصر التصعيد على التصريحات، أليس منطقياً أن يحذو لبنان حذو العراق في رفض الوجود العسكري الأميركي أو العلاقات العسكرية مع الولايات المتحدة؟ كيف سيُواصل حزب الله المطالبة بطرد الجيش الأميركي من العراق، ودعمه لفصائل المقاومة في اليمن وفلسطين وسوريا والعراق ان كنا على حياد؟

واشنطن، وفقاً للسيد نصر الله، فشلت في فنزويلا حيث نجح الطرف المقابل، لربما المراهنة اليوم على إعادة إنتاج النجاح الفنزويلي في لبنان.

ما أصبح واضحاً، ان أيام الخمسينات الخوالي قدّ ولتّ والدستور أعاد صياغته مؤتمر الطائف، فالواقع السياسي تغير، والجيوسياسية تحولتّ، والتحالفات وارتباطات الاحزاب الخارجية رسختّ في الوجدان وتعمقتّ في مخلتف الجهات، حتى أصبح لبنان رهينة “لِلعبة الأُممّ”. فكمّ من سنين ضوئية امامنا لتوصلنا الى بَرّ ” الحياد “؟

شادي هيلانة/ alnashra