عنجر بالنسخة اللبنانية

شادي هيلانة نداء الوطن

إرتبط عهد عنجر باسم اللواء غازي كنعان صانع الملوك. كان جميع الساسة اللبنانيين مرتبطين ببلاط الوالي، فكانوا يتهافتون لتقديم الطاعة والولاء مع الهدايا والمال بملايين الدولارات، من اجل الحصول على منصب وزير او نائب او لتمرير صفقات. عنجر تلك القرية اللبنانية القريبة من دمشق السورية كانت تعتبر الممر الإلزامي لرئاسة الجمهورية اللبنانية. ففي العام 1982 أصبح حكم الوصاية السورية مرتبطاً مباشرةً بعنجر كمقر له بديلاً عن مقر الدولة اللبنانية، ممثلاً بعد حين بنائبه رستم غزالي الذي سار على خطى سيده، مارس القمع والاضطهاد والاغتيالات ضد اللبنانيين شعباً وقيادة ومارس أسوأ أنواع الفساد والإفساد.

في 26 نيسان 2005 انتهى عهد عنجر السوري فحسبنا ان عهد لبنان والجمهورية القوية قد بدأ مساره في تغيير نهج، إمتعض منه اللبنانيون والمطالبون آنذاك بالحرية والسيادة والاستقلال.

تقمّص العهد فكراً ومنهجاً ذهنية عنجر النسخة السورية، وهُم الأكثر من ذاق الأمرين في زمن الوصاية السورية على لُبنان، اليوم يتبجّح بمقولة تطبيق القوانين وحماية السلم الأهلي بممارسة مستنسخة فعلاً وتطبيقاً، كما الحال في الدول العربية الديكتاتورية التي تقمع شعوبها بتسليط الأجهزة الأمنية والقضائية، على المواطنات والمواطنين بملاحقتهم بسبب آرائهم على منشور في مواقع التواصل الاجتماعي، ورفع دعاوى واستدعاءات بالجملة والمفرق لصحافيين ورؤساء تحرير بسبب مانشيت ورأي سياسي معارض لهم، او لناقد سياسي أزعج البعض بكلمته في تحميله مسؤولية للطبقة الحاكمة، حيال ما يمر به لبنان من انهيارات اقتصادية واجتماعية ومالية.

السؤال الذي يدور في مخيلتنا هل بكمّ الأفواه والتسلط على الضعفاء نحمي الدولة مما تبقى من سقوطها وانحرافها عن معايير القوانين والعدالة الاجتماعية، في ظل فشل حتمي لعجز سلطة الأمر الواقع في انقاذها لمواطنيها من الغرق، وجُلّ همها السفينة (المصلحة الذاتية) اولاً من ألّا تُخدش!

إن الحلقة الأضعف تكمن في عجز الحكومة عن تحقيق استقلاليتها عن أجندات الأحزاب ذات اللون الواحد، فقد فشلت في إقرار أي تعيينات، أو حتى إصدار حكم واحد ضد فاسد أو إيقاف عقود فاسدة. ثم انكسرت أمام الضغوط، فتراجعت عن قرار تجميد معمل سلعاتا، وانتهت بتسليم قطاع الاتصالات إلى محاصصة حزبية، سيطرت بالكامل على مجالس الإدارة لشركتي الخلوي، التي تشكل الدخل الثالث لخزينة الدولة. انتهت الفرص وسقطت ورقة التين.

يعيش عون، ومعه العونية، نكران الواقع المرير، الدولار تخطّى الـ 10 آلاف، وربطة الخبز ثبت سعرها على ألفي ليرة، والتهريب ماشي خطاه على قدم وساق من دون أي رادع، والبلد ماشي والشغل ماشي والبحبوحة عارمة، يعيش عون ومعه العونية وينموان سياسياً على اختلاق الخصوم والأعداء. وهو ينظر إلى لبنان السياسي والشعبي باعتباره حالة من موجات شعبية احتجاجية متتالية. وإذا كانت الجموع ناقمة اليوم على القوى والزعامات السياسية كلها، فإن إلصاق المعارضة بجنبلاط والحريري وبري، يفيده ويلائمه. فجموع الناقمين يرفضون السير خلف معارضة هؤلاء الثلاثة الذين يحمِّلهم الناس مسؤولية الانهيار المالي والاقتصادي، باعتبارهم من أركان الحكم منذ ثلاثين سنة. يعتبر الرئيس ميشال عون ان المعركة قاسية ضد الفساد، وتبين على أثر الممارسة في ظل وجوده على سدة كرسي الجمهورية انه غير قادر على هز المسمار لوحده، لذلك توجه الى اللبنانيين طالباً المساعدة فلا احد قادر على الضغط من اجل تنفيذ القوانين الموجودة لإستعادة الأموال المنهوبة وملاحقة الفاسدين سواهم كما قال، او ان تُحمّل موروثات السياسيين الفاسدين للشعب بأكمله، إمّا سنزجهم في السجون لأنهم مذنبون وهذا ما يحدث، فهي لغاية الآن تتسع لجميع المنتفضين على الحكم القائم او معارضته، لكننا نراها خالية من لصوص سارقي المال العام، كأنها عملية تُنفذ انتقامية فتأتي بقذف الكرة في مرمى اللبنانيين.

بتسوية رئاسية كرست نهج المحاصصة التي انهكت الدولة بعد الإستقلال الثاني في الـ 2005، هذه التسوية طُعنت في الخاصرة وعلى الجانبين، وأدّت الى انهيار الدولة والميثاقية والأعراف فالجميع بات اليوم نادماً عليها شاكياً وقلقاً.

المصدر: نداء الوطن