كتبت “المركزية”:
للأسبوع الثاني على التوالي، خرج البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي عن الخطاب التقليدي لسيد بكركي من حيث الأسف لواقع البلاد وحالها والاكتفاء بحض أهل الحكم على تحمل مسؤولياتهم في إنقاذ البلاد والعباد. فبعدما انتقد بعنف لقاء بعبدا الحواري الأخير الذي تمسك رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بعقده على رغم مقاطعة المعارضة، ذاهبا إلى حد تحميل الرئاسة الأولى مسؤولية فشل هذه المبادرة، رفع الراعي السقف مجددا في مواجهة الرئيس عون، لكنه هذه المرة ضم إلى بعبدا السراي الحكومي والضاحية الجنوبية.ذلك أن الراعي، بوصفه السلطة الكنسية الأعلى في البلاد، تحدث بدون قفازات موجها نداء عاجلا إلى الرئيس عون لـ “فك الحصار عن الشرعية”، من غير أن يغيب عن باله تجديد تأييد ثورة 17 تشرين، وحمايتها من الاتهامات بممارسة العنف وتوتير الوضع الأمني في البلاد.لكن، وعلى أهمية المواقف العالية النبرة في مواجهة عون ودياب، فإن مصادر سياسية مراقبة تدعو عبر “المركزية” إلى مقاربة عظتي البطريرك الراعي ومتروبوليت بيروت للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة، من زاوية توقيتهما. وفي السياق، تلفت المصادر إلى أن هذا الهجوم الكنسي المزدوج على الحكومة و”إنجازاتها” كما يسميها رئيسها حسان دياب، أتى في وقت يكثر فيه الحديث عن تغييرات قد تطال التركيبة الوزارية، وإن كان تعذر وجود البدائل في الوقت الراهن، يحمي الرئيس دياب من السقوط بضربة الشارع القاضية. وتشير المصادر إلى أن هذا التصعيد يعطي جرعة دعم للثوار غير الراضين أساسا عن وصول الرئيس دياب إلى السراي.غير أن الأهم يكمن في أن المواقف النارية للراعي أتت إبان زيارة وزير الخارجية ناصيف حتي إلى روما فالفاتيكان. رحلة توزعت تفسيراتها بين الكلام عن تلبية دعوة رسمية، والمعلومات المتداولة على أعمدة بعض الصحف عن “استدعاء” الفاتيكان لوزير الخارجية. لكن، أبعد وأهم من كل هذه التفسيرات، التي قد تقرر وزارة الخارجية وضع حد لها ببيان، تعتبر المصادر أن الراعي المستمر في نهج المواجهة المفتوحة مع الحكم وأركانه أوصل رسالة “فاتيكانية” شديدة اللهجة ينبغي أن تلتقط الحكومة إشاراتها سريعا. وتشدد على أن الحديث عن “فك الحصار عن الشرعية” يشكل ردا قويا على دعوة السيد حسن نصرالله الحكومة إلى “التوجه شرقا”، وهو ما لم يتأخر الرئيس دياب في تلبيته، بدليل اجتماعه الأخير مع سفير الصين والوفد العراقي. لكن كل هذا لا ينفي أن رسالة الفاتيكان واضحة: لا يمكن أن يتجه لبنان نحو الشرق، فيما مصلحته تكمن في صون علاقاته مع الدول الغربية في زمن التفاوض مع صندوق النقد الدولي لانهاء أزمته. وتختم المصادر من غير أن تستبعد أن يكون هذا الموقف المتقدم منسقا بين الفاتيكان والأزهر، على وقع الزيارة التاريخية التي قام بها البابا فرنسيس إلى الامارات العربية المتحدة في 5 شباط 2019 وتوقيع وثيقة الاخوة الاسلامية المسيحية بين الطرفين.