منجم ذهب ينقذ لبنان من أزمته….؟

كتب سامي خليفة في “المدن”: 

يعتبر كثيرون أن بيع أو تأجير أصول الدولة ومرافقها وقطاعاتها، سيحفز الاقتصاد اللبناني، ويمده بالأمصال والإنعاشات المطلوبة. ويعللون ذلك بأن صندوق النقد الدولي لن يعطي أي حكومة لبنانية أكثر من 8 إلى 9 مليارات دولار في أحسن الأحوال. وفي حين أن أنظار العالم شاخصة على واقع لبنان المروع، نشرت صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية، مقالةً أعدها لداغ ديتر، مستشار الاستثمار والرئيس السابق لشركة “ستاتوم” السويدية القابضة، وناصر السعيدي الاقتصادي والوزير السابق، والذي شغل أيضاً منصب نائب محافظ البنك المركزي اللبناني، حول كيف يمكن للأصول العامة والعقارات أن تسهم بطريقة ما في التخفيف من حدة المشكلة.تشير المقالة بأنه يجب على لبنان إنشاء صندوق وطني لإدارة ثرواته، للعمل على رفع قيمة الأصول العامة إلى الحد الأقصى، ومن ثم معالجة أزمة العجز عن سداد الديون بطريقة أفضل. وبينما تمتلك الحكومات في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك لبنان، أصول تُقدر بتريليونات الدولارات، تخفي هذه الأصول داخلها إمكانية التحول إلى منجم ذهب تساعد عائداته في مكافحة أزمات الديون، أو على نحو أوضح هي بمثابة جبل جليد، لأن قليلاً من ثرواتها وحسب، هو ما يمكن لمستثمري السندات السيادية رؤيته.على الصعيد العالمي، يقدر صندوق النقد الدولي أن الأصول العامة تبلغ قيمتها على الأقل ضعف تلك الموجودة في الناتج المحلي الإجمالي العالمي. ومع ذلك، غالباً ما تتم إدارة الأصول بشكل سيء، ولا يتم احتسابها على الإطلاق. وبالنظر إلى أن الأصول العامة في معظم البلدان قيمتها أكبر من الدين العام، فإن إدارتها بشكل أفضل يمكن أن تساعد في حل العديد من قضايا الديون، مع توفير المواد اللازمة للنمو الاقتصادي في المستقبل.تشمل الأصول العامة اللبنانية، وفق المقالة، مرافق أساسية، مثل مؤسسة “كهرباء لبنان” ومرافق المياه والبنية التحتية للنقل العام مثل المطارات وشركة طيران الشرق الأوسط وشركة “أوجيرو” لبنان للاتصالات، بالإضافة إلى “كازينو لبنان” و”إدارة حصر التبغ” اللبنانية، وغيرها. غير أن معظم هذه الأصول تصنف على أنها لا تفي بمصاريفها. وفي كثير من الحالات، تستنزف الخزانة العامة للدولة.إلا أن هذا ليس كل شيء، إذ يمكن أن تكون القيمة الاقتصادية للعقارات المملوكة من الحكومة تساوي على الأقل قيمة الناتج المحلي الإجمالي، وغالباً ما تكون عدة أضعاف قيمة الجزء التشغيلي من أي محفظة.تبقى القيمة المضمّنة في العقارات المملوكة للحكومة اللبنانية مخفيةٌ إلى حد كبير تحت السطح الظاهر، بسبب فشل القطاع العام في اعتماد محاسبة الاستحقاق الحديثة، على النحو الذي أوصى به “مجلس معايير المحاسبة الدولية” لأصول القطاع العام. وغالباً ما يفضي التعتيم المحيط بقطاع العقارات إلى عدم وجود سجل عقاري دقيق، يعتمد على تسجيل الأراضي بنظام يستند إلى “نظم المعلومات الجغرافية”، وهي نظم حاسوبية تعمل على جمع وصيانة وتخزين وتحليل وإخراج وتوزيع البيانات والمعلومات الخاصة بالعناصر الجغرافية والمكانية.يتحدث كل من ديتر والسعيدي في المقالة، عن ضرورة كشف القيمة المحتملة للأصول العامة من طريق تعيين وكالة متخصصة مستقلة لهذه المسألة. وهذا برأيهما، لا يجب أن يسبب خلافاً في لبنان، إذ تفوض معظم الحكومات في جميع أنحاء العالم إدارة العديد من العمليات المالية العامة لمؤسسات مستقلة ومحترفة.تُنقل إدارة الدين الحكومي، وفق رؤيتهما، إلى مكتب إدارة دين في الخارج، ويفوض بنك مركزي بتحديد أسعار الفائدة. والسبب الأساسي في تفويض السلطات لجهات محترفة ومتخصصة، هو أنه يُتوقع منهم أن يكونوا مستقلين سياسياً ومحايدين، كما أنهم يمكن مساءلتهم بيسر عن مدى التزامهم وتحقيقهم لأهداف محددة بدقة.وتستشهد المقالة بأرقام صندوق النقد الدولي، فإذا ما تم إدارة الأصول العامة بطريقة احترافية ومنضبطة، فمن الممكن تصور أنها يمكن أن تولد في المتوسط إيرادات للحكومة اللبنانية بقيمة 3 في المئة إضافية من الناتج المحلي الإجمالي السنوي، ويمكن استخدام هذه الإيرادات الجديدة لتحريك عجلة الاستثمارات في البنية التحتية والخدمات العامة الأخرى. كما يمكن أن تساعد التحسينات في إدارة الثروات العامة، التي يتم تنظيمها بشكل صحيح، على كسب الحرب ضد الفساد، عبر إدخال الإمكانيات المتخصصة للقطاع الخاص، وعلى رأسها الشفافية ومعيارية الأهداف التجارية وعزل التأثيرات السياسية، من خلال شركات قابضة مستقلة، مثل صناديق إدارة الثروات الوطنية.هذه الطريقة في إدارة أصول الدولة، ستعالج، حسب المقالة، معضلتين أساسيتين موجودتين في لبنان: نقص الاستثمار في البنية التحتية، بسبب تراكم الدين العام وخدمة الدين، وعرضة الديمقراطيات للحوكمة السيئة، فيما يتعلق بضعف مكافحة الفساد وتآكل سيادة القانون.وتختم المقالة بالقول، بأنه إذا تمت إدارة أصول الدولة اللبنانية بشكل صحيح، فهذا بلا شك سيعزز الثقة في تقييم التصنيف الائتماني للبنان، ويخّفض تكلفة الاقتراض في السوق الدولية، ما يعود بالنفع على المجتمع ككل.