في هذا الجو المشحون وانعدام أُفقّ الحلول لم يعد أمام النقاد والمحليين والمثقفين والكتاب والوطنيين والأحرار نظرية او نظام لم يدرسوه، بحثاً عن مخرج او عن دستور او نظام حكم يناسب لُبنان.
“جمهورية أفلاطون” التي قصد فيها الفيلسوف الإغريقي العظيم “أفلاطون” عن ملامح المدينة المثالية وكيفية تحقيق الحكم العادل بين أطياف المجتمع. يقول افلاطون في جمهوريته: حينما يصل الطفل الى العاشرة من عمره يجب ان يؤخذ من والديه ويدخل مدرسة داخلية في الريف بعيداً عنهم.
فمنذ صغره يتم إبعاده عن والديه كي لا يبق أي اثر لتعاليم المتوارثة والتعصب القبلي او الديني عليه عن طريق تعليم والديه، يتم تدريبه على الرياضة والقراءة والحساب وممارسة الفضيلة واكتساب الاخلاق الحميدة والشعور بالمسؤولية اتجاه اخوته المحيطين به، حينما يبلغ العشرين من عمره يمتحن، في هذا الإمتحان يواجهوا الطلاب جميعهم نفس التجارب والصعوبات، حيث تتم عملية تصفية وفلترة وغربلة، لا تعتمد على الدروس العلمية فقط، بل يكون امتحاناً عملياً ونظرياً، بحيث يتم تعرضهم الى عناء وتعب وصعوبات وآلام والصراع، حتى يتم الكشف عن أصحاب المقدرات والمواهب فتكون هذه فرصة لإظهار مؤهلاتهم، فيتم غربلة الضعفاء والكسالى وقليلي المقدرة من بينهم، فالناجحون ينتقلون الى مرحلة أخرى اكثر صعوبة، بينما الفاشلون سيتم توظيفهم كتجار ورجال اعمال وكتبة في دوائر الدولة وعمال مصانع وفلاحون وجنود للدفاع عن الدولة.
الفاشلون عليهم القبول بقدرهم، مقتنعون بأنهم يشاركون البشرية بإخوة لأنهم ابناء طبيعة واحدة حينما خلقتهم بهذه المقدرة وعليهم الإنصياع لها.
لا أن يأتوا بالفرض، وعلى ظهر الآخرين راكبين المحادل الحزبية والعائلية والموروثات السياسية، كالبيك والآغا والأمير وألقاباً فارغة منذ القرون الوسطى، مضى عليها الزمن وختمها بالشمع الأحمر.
ركائز هذه الدولة هي الطبقة الحاكمة، التي تتألف من الرئيس او الحاكم وحاشيته، هذه الطبقة يجب ان تكون قد خضعت للإمتحان وحصلت على درجة “ممتاز”، هؤلاء درسوا ونجحوا واكتسبوا الحكمة التي تؤهلهم على تولي السلطة، طبقاً للقول “العقل السليم في الجسم السليم”. الطبقة الحاكمة هي فضيلة الحكمة، لذلك يتطلب على الحاكم ان يكون فيلسوفاً كي تكون قراراته حكيمة وصحيحة، غير متهورة بل دقيقة ومتوازنة ولصالح الدولة. لا يجوز مشاركة طبقة في الحكم، او ممارسة مسؤولياتها وهي ليس لديها المؤهلات العليا، عندها تُحدث خللاً ومصائب كما حصل ويحصل الآن في لبنان. فلم يعد مسموحاً ان نأتي الى الحكم ذاك الكاذب والسارق والمحتال. ولم يعد مسموحاً العمل في فوضى من دون أي واجبات اوحقوق تصون عدالة الله الذي وضعها دستوراً على البشرية.
ليس مقبولاً ان يبقى الوطن تحت رحمة هؤلاء القامات الفاسدة لكي تطول قامتهم اكثر واكثر، فليس “بالقوة والخداع ” نستطيع بناء دولة ناجحة مقتدرة كما قال “افلاطون”
شادي هيلانة elnashra