الصين في لبنان: حدود وشروط !

بعد الجدل السياسي الذي أحدثته دعوة الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله إلى التوجّه نحو الشرق والتعاون مع دولٍ أبدت استعدادها لدرء خطر الجوع عن لبنان، كالصين وإيران ودول أخرى لم يسمّها، تؤكّد مصادر معارضة أنّ «لا مشكلة في بناء علاقات إقتصادية وسياسية مع كلّ دول العالم وهي قائمة أساساً، لكن المشكلة الأساسية تَكمن في عزل لبنان عن الدول العربية والمجتمع الدولي، وأنّ هناك من لا يريد تطبيق الدستور والقانون والقرارات الدولية، ويعمل على أخذ البلد الى تغيير هويته الإقتصادية والسياسية والحضارية».
 

تعتبر جهات سياسية معارضة، «أنّ كلام نصرالله عن الإتجاه شرقاً لا يعني الصين سياسياً، والتنوّع في العلاقات لا يعني روسيا، بل فكّ علاقات لبنان التاريخية بأكثر من دولة عربية وغربية. وهذا رغبةً في حصر علاقات لبنان بالصين وإيران فقط، وذلك وفق معادلة: الإستفادة من الصين مالياً وإقتصادياً، وأن يُتبع لبنان سياسياً بإيران». وترى «أنّ هذه المعادلة ساقطة، إذ إنّ الصين وروسيا دولتان عظميان، لديهما سياساتهما ومصالحهما، وإنّ أولوية كلاً منهما هي إقتصادهما وعلاقاتهما بالدول العظمى الأخرى، وليستا أداةً تنفيذية في يد إيران».
 
كذلك، تشير هذه الجهات، الى أنّ علاقات غالبية الأفرقاء اللبنانيين بروسيا على سبيل المثال جيدة جداً. وسبق أن وجّهت الدولة الروسية دعوات الى رؤساء أحزاب وتيارات سياسية في لبنان لزيارتها، ومنهم: رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، الذي تربطه علاقات وثيقة وتاريخية بالروس، ورئيس تيار «المستقبل» سعد الحريري، ورئيس تيار «المرده» سليمان فرنجية، ورئيس حزب «الكتائب اللبنانية» النائب سامي الجميل، الذي كان طرح خلال زيارته موسكو عام 2017 على الروس لعب دور وسيط لإعادة النازحين السوريين الى بلدهم، قبل طرح المبادرة الروسية في هذا الخصوص عام 2018.
 
كذلك، تقف الصين «على مسافة واحدة من الجميع في لبنان»، وسبق أن وجّهت دعوة الى الأمانة العامة لـ14 آذار عام 2013 لزيارتها. وتتبوأ الصين المراتب الاولى على لائحة أهم مصادر الاستيراد اللبناني منذ أعوام. وهناك عجز كبير في الميزان التجاري بين البلدين لمصلحة الصين، بمئات ملايين الدولارات منذ عام 1993. كذلك، يبدو أنّ إهتمامات الصين في لبنان محدودة ولها شروطها.
سياسياً، كانت زيارة سفير الصين لدى لبنان وانغ كيجيان الأولى لفريقٍ سياسي لبناني، لافتةً في توقيتها، إذ إنّه التقى أمس الأوّل رئيس «الكتائب» النائب سامي الجميل في «بيت الكتائب» المركزي في الصيفي، بعد كلام نصرالله الأربعاء الماضي. وحسب بيان صادر بعد اللقاء، شدّد الجانبان على «أهمية أن تقف الصين على مسافة واحدة من جميع الأفرقاء السياسيين في لبنان». وتقول مصادر مطّلعة على الإجتماع إنّ «موقف الصين واضح، وهو الوقوف على مسافة واحدة من الجميع، وأنّ هناك حرّية رأي في لبنان وحرية الإدلاء بالمعلومات». وأكّد كيجيان، أنّ «موقف الصين الرسمي الطبيعي هو الوقوف الى جانب لبنان والتنسيق مع الجميع، ومع الحكومة اللبنانية على المستوى الرسمي بين الدولتين». وأوضح أنّ بلاده مستعدة لمساعدة لبنان والمشاركة في إعادة نهوضه، لكن على صعيد البنى التحتية فقط، التي يعتبر الصينيون أنّها أهم ركيزة للإقتصاد ولإعمار لبنان، إقتصادياً واجتماعياً ومالياً، وأنّ الصينيين ليسوا مهتمين بالإستثمار في قطاعات استهلاكية أو خدماتية مثل إنشاء فنادق أو مجمعات سياحية.
 
الإهتمام الصيني بالإستثمار في البنى التحتية في لبنان ليس بجديد، وهو موضوع حيوي للدولة الصينية منذ عام 2014 أقلّه، ومربوط بإعادة الإعمار في سوريا وبـ»طريق الحرير» القديم – الجديد. وسبق أن دعت الصين جهات إعلامية وسياسية عدة لزيارة عاصمتها بكين ومقاطعات أخرى، بهدف شرح مشروع «طريق الحرير» وتسويقه.
 
وفي حين أنّ النقاش خلال لقاء الجميل وكيجيان تركّز على الشق السياسي لا الإستثماري التقني، جرى الحديث عن أنّ «إعادة الإعمار في سوريا باتت مستحيلة في المدى المنظور في ظلّ قانون «قيصر» في إطار العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة الأميركية على النظام السوري». وأكّد السفير الصيني «أنّه لا يوجد أيّ علاقة للإستثمار في البنى التحتية في لبنان بالوضع في سوريا، وأنّ لا شروط مُسبقة للصين للإستثمار في لبنان، إلّا طريقة التمويل والحوكمة والإدارة الرشيدة والشفافية في التعامل. إذ إنّ الحكومة الصينية لا تعمل مع الدول الأخرى إلّا وفق هذه الطريقة». ويدلّ كلام السفير الصيني هذا الى أنّ شروط الصين لا تختلف عن شروط الدول الغربية أو المؤسسات المالية الدولية لمساعدة لبنان، لناحية الإدارة الرشيدة والشفافية.
 
وكان نصرالله أكّد أنّ «الشركات الصينية جاهزة لبناء سكك الحديد من طرابلس الى الناقورة، ولبناء معامل الكهرباء». إلّا أنّ حصر تعامل لبنان الآن بدول محدّدة لمواجهة دول أخرى، سيُعمّق الأزمة بدلاً من إنقاذ لبنان، حسب مصادر سياسية معارضة. إذ إنّ لبنان لا يُمكنه أن يستغني عن أيّ من الدول العربية والغربية الصديقة تاريخياً، والتي كانت تودع مليارات الدولارات في المصارف اللبنانية وتستثمر في قطاعات مختلفة وفي السياحة، فضلاً عن المساعدات التي كانت تقدّمها للبنان. كذلك، إنّ مشكلة البلد الآن سياسية لا إقتصادية، حسب هذه المصادر، وبالتالي يجب الحفاظ على حياد لبنان وسياسة «النأي بالنفس»، والتمسّك بعلاقات جيدة مع كلّ الدول وفك عزلة البلد، بدلاً من تضييق الخناق عليه بمواقف تهديدية لا ترجمة عملية لها أو نتائج إيجابية.