بعد ان دخل قانون قيصر الجديد حيّز التنفيذ، من حيث الجودة في معايير العقوبات الأميركية على النظام السوري، وبعد تصريح مايك بومبيو وزير الخارجية الأميركية بإعلانه رسمياً معاقبة النظام السوري بالمزيد من الضغوط، ذهب بعيداً في العقوبات ليطال الرئيس بشار الأسد وعقيلته، و٣٩ شخصية من كيانات النظام.
فهل نتجرع بعض البصيص من ضوء في ملف مؤلم يطوي أثار الحرب اللبنانية المقيتة، وهو ملف المختطفين في السجون السورية، والكشف عن مصيرهم امواتاً لا سمح الله او احياءً يرزقون.
كان من الأجدر على الدولة اللبنانية العادلة بضرورة إيجاد حل سريع لقضية المغيبين قسراً والمختطفين والسجناء، وانهاء محاولات التسويف او اختلاق الاعذار، وعدم التعاطي بمصداقية مع ملفهم الانساني المشروع. نستغرب في خطة حكومة حسان دياب انها لم تصوّب لا بالشكل ولا بالمضمون على هذا الملف الحساس جداً، وقد وضعها في موقف سلبي لا يخدم هدف تحقيق السلم والاستقرار والتعايش المجتمعي، بعد ان نفد صبر تلك العوائل وهي بالمئات، ولم يعد بإمكانها أن تنتظر كل تلك السنوات وهي تواجه مماطلات وتسويفاً ومبررات، أقل ما يقال فيها أنها غير عقلانية، وغير مبررة، وهي محاولات هروب الى الأمام للتخلص من تبعات ما ينجم عنها من مسؤوليات قانونية وأخلاقية، وتهربًا من المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الانسان الدولية، التي تعتبر تغييب هؤلاء عملاً إجرامياً يتنافى مع القانون الدولي والإنساني، ويتطلب الأمر محاكمة من يثبت تقصيره في كشف هذا الملف الخطير بأسرع ما يُمكن.
ان قضية المغيبين قسراً والمختطفين لا تجد الاهتمام المطلوب، وهناك تغييب متعمد لقضيتهم. وهناك جماعات مسلحة هي من تتحكم بملفهم، إضافة الى جهات حكومية، تعمل على تأجيل الكشف عن هذا الملف، برغم اثارته عشرات المرات، من خلال رسائل وكتب رسمية بُعِثت في كل العهود الرئاسية، ولم تلقَ اي نتيجة، وإن كنا نندهش عجباً من عدم قدرة الحكومات السابقة على وقف هيمنة جماعات مسلحة، تمنع الجهات الحكومية من فتح هذا الملف، او إظهار التعاون للكشف عن مصيرهم.
ففي المرحلة الآتية نأمل خاشعين حدوث مفاجآت بخصوص هذا الملف الانساني. فبدلاً من ان نلجأ الى الجهات الدولية والسعي لتدويل الملف، أتى قانون “قيصر” لكي لا يكون هناك أي عذر امام الحكومة للكشف عن مصيرهم، ونتمنى ان يُحال المسؤولون عن تغييبهم واختطافهم الى الجهات الجنائية الدولية للاقتصاص منهم.
ويا ليت حكومة الرئيس دياب لحظت هذه القضية ووعدت بأنها ستأخذها على محمل الجد وتكشف عن مصير المغيبين والمختطفين، لكانت اعطت إشارات إيجابية مُطمئِنة، ولما انتظرنا قانوناً اتى ولو متأخراً من جهة دولية تعطي بعض الطمأنينة لعوائل المختطفين عندما تعرف مصير أبنائها وتعيدهم الى ديارهم، فيُطوى ملفٌ مأساوي تنتهي ذيوله مع قانون قيصر ومن ابرز بنوده: “إطلاق المعتقلين المحتجزين قسراً، ومنح المنظمات الدولية لحقوق الإنسان حق الوصول إلى السجون ومراكز الاعتقال في سوريا”.
627 معتقلا موثّقون بالأسماء والصور وبشهادات العائدين من السجون السورية الذين رووا قصصا عنهم، لكن لا شيء من كل ذلك حرّك ضميرالمسؤولين في الدولة اللبنانية. فهل سنراهم قريباً في حضن وطنٍ لا زال ينزف ليبلسموا جراحه في “العرس الكبير” الذي ننتظره؟
شادي هيلانة