كتب خالد أبو شقرا في صحيفة “نداء الوطن” تحت عنوان “الخيار المشرقي وهمي وسقفه ذرّ الرماد في العيون”: “قد يكون لبنان البيئة الامثل للتمويل الصيني بشقيه المباشر من قبل الدولة، وغير المباشر من خلال الشراكة التجارية. فمتطلبات الاستثمار الصغيرة بالنسبة إلى حجم البلد، وموقعه كنقطة التقاء خطي الحرير الصيفي والشتوي على المتوسط، وحاجته الكبيرة إلى مشاريع البنى التحتية، ووجود حلفاء أقوياء يسوقون للخيار المشرقي ويدفعون باتجاهه.. عوامل من الممكن ان تسيل لعاب الصينيين. لكن السؤال هل ستكون من مصلحة لبنان واللبنانيين؟
الجواب على هذا السؤال يأخذنا مباشرة إلى “جيبوتي”، الواقعة على باب البحر الأحمر، حيث افتتحت الصين رسمياً أول قاعدة عسكرية لها خارج حدودها من بوابة تمويل المشاريع الاستثمارية في البلد المديون. مما أدخل جيبوتي من حيث لا تدري بصراع جيوسياسي بين الصينوأميركا ومن خلفها الدول الخليجية. هذا ولم تحقق جيبوتي الازدهار المأمول. ولم يتراجع دينها بالمقارنة مع ناتجها المحلي عن 80 في المئة. كما ان اقتصادها ظل مهدداً بفعل الأزمات الغذائية والاعتماد الكبير على المساعدات الخارجية لدعم ميزان المدفوعات وتمويل مشاريع التنمية. ولم تنخفض معدلات البطالة عن 55 في المئة.
ليس بخيار
الخبير الاقتصادي د.نديم المنلا، يقول انه “لا يمكن اعتبار الحديث عن التوجه المشرقي بالخيار. فالخيارات عادة تكون مدعمة بالافعال لا الاقوال. وشروطها تكون بارزة”. أما عن الاستفادة فيلفت إلى ان “الحاجة الأساسية اليوم برأيه هي للسيولة وتمويل ميزان المدفوعات وتخفيض العجز في الموازنة واعادة تحريك الاقتصاد. وبالتالي لا يمكن للاستثمارات الصينية في البنى التحتية، سواء كانت عبر انشاء خطوط جديدة أو غيرها من المشاريع، ان تحل الأزمة الاقتصادية، هذا إن لم تفاقمها. الخيار المشرقي عنوان عريض وجذاب، صحيح، إنما الغوص في تفاصيله يكشف الكثير من التفاصيل والتعقيدات. ولعلّ أهمها من وجهة نظر المنلا هي “كيفية بناء هذه الشراكة، والكلفة التي من الممكن ان يتحملها لبنان جراءها. فمبدأ التبادلية الذي يتحدث عنه مروّجو هذا الطرح يصطدم باختلال هائل في الميزان التجاري بين البلدين، وبضعف كبير في القدرة الانتاجية”.
طريق الحرير
أحلام بعض اللبنانيين الكبيرة بالتوجه المشرقي عموماً والصيني خصوصاً لم تلاقِه الصين بعد الى منتصف الطريق، أقلّه علنياً. فطموحها، حسبما يفهم أخيراً من حديث سفيرها في لبنان وانغ كيجيان، هو “العمل المشترك لبناء طريق الحرير الجديد، لتعزيز التبادل الإنساني بين البلدين”. الأمر الذي يوافق عليه رئيس اتحاد رجال الأعمال للبحر الأبيض المتوسط جاك صرّاف بالقول: “كفانا تهديماً للبنان من خلال تسييس الطروحات”. فحاجتنا الكبيرة الى مشاريع البنى التحتية الحيوية تحتم علينا القبول بالعروض الصينية على قاعدة: من يقول لك انا معك، قل له انا مشيت”.
الصين التي تتميز بامكانياتها المالية الضخمة، لديها خطط توسعية أصبحت قريبة من منطقتنا. وقد بدأنا نشهد فتح العلاقات الاستثمارية مع العراق وعرضها عليه حلولاً كثيرة، وستستكملها، بحسب صراف، “بربط كل من ايران وسوريا والعراق ولبنان وصولاً الى البحر المتوسط بخط سكة حديد”. وعليه فانه من خلال المشاريع في العراق والاهتمام الكبير في سوريانستطيع الفهم ان ليس لبنان المستهدف، بل ان هناك خطة للمنطقة ككل. فالصينيون يعتبرون ان هذه الدول تمتلك امتداداً وتكاملاً طبيعيين.
لبنان فرصة ولكن!
في المقابل فان لبنان برأي رجال الاعمال يشكل فرصة استثمارية واعدة بالنسبة إلى الصينيين. إذ انهم كلما التقوا بوفود لبنانية كانوا يشيدون بالانفتاح اللبناني في المنطقة وبالدور الريادي للقطاع المصرفي. وهذا ما يحتم علينا، من وجهة نظر صراف، “اعادة شد عصب القطاع الخاص، وبناء نظامنا المصرفي على اساس متين، سليم ومعافى. وذلك كي يستطيع التكامل مع الرؤية المستقبلية ويشكل قيمة مضافة. خصوصاً ان الدول المجاورة لا تعاني من نقص في المصارف فحسب، انما تفتقر الى البيئة المصرفية”.
الاستثمارات الصينية ليست بغريبة عن لبنان. وقد شهدنا أخيراً مشاريع حفر انفاق سد بسري وتركيب شركة “هواوي” لمحطات الاتصالات، وقبلهما المشاريع في مرفأ طرابلس وعلى نهر العاصي. إلا ان التعامل مع المستثمرين الصينيين، بحسب شركائهم في المشاريع، ليس سهلاً. فهم لديهم ثقافتهم الخاصة ويأتون بعمالهم لتنفيذ المشاريع ولديهم شروطهم الخاصة. وبالتالي علينا نحن ان نقرر إن كانت شروطهم تتماشى مع بيئتنا. فـ”الانفتاح الصيني في النهاية لن يكون الا اقتصادياً”، بحسب صراف، مع ان “الصيني يشتهر بامكانية ان يكون استعمارياً”.
ان تكون الصين، بقطاعها الخاص الضخم والنشيط، مستثمرة في لبنان كبقية المستثمرين فهذا امر طبيعي. أما ان تُختزل العلاقة معها وتُربط بأهداف سياسية فهذا ما يجب تفاديه”، يقول احد الاستراتيجيين في العلم العسكري. وبالعودة إلى مثال جيبوتي فان جمعها للأضداد وأصحاب العقائد السياسية والعسكرية المتنافسة، أصبح يشكل ضغطاً كبيراً عليها وبات أمنها القومي مستباحاً من الجميع، وذلك رغم بعض الفوائد الاقتصادية. فهل هذا ما نريده؟”.