“كان اللبنانيون يوم أمس على موعد مع أحداث “فيلم عربي” بنوعية “الأكشن” من سيناريو وحوار وبطولة وإخراج رئيس الحكومة حسان دياب الذي وضع فيه كل ما تفتقت به مخيلته من أحداث شيقة عن “إجتماعات سرية، وتخطيط، وأوامر داخلية وخارجية، وإتفاقات من تحت الطاولة، وأسرار هيكل الفساد إستعدادا لمؤامرة الانقلاب التي كشفها “بطل الفيلم” وبدأ بمواجهتها ومعرفة من يقف وراءها، ومن ثم حصوله على مفاتيح هيكل الفساد تمهيدا لاقتحامه وفتح غرفه للاقتصاص من الفاسدين الذين يختبئون في زواياه”.
يمكن القول إن الرئيس دياب إنتهى أو تسبب في إنهاء نفسه باكرا، فلم يعد قادرا على إقناع اللبنانيين، أو أن يحصل على ثقتهم التي كانت مفقودة منذ البداية، وهو لم يفلح أمس في ملامسة هواجسهم، فكان يتحدث في واد وكل اللبنانيين في واد آخر، فضلا عن أنه تحدث بلغة فيها الكثير من الشعر والنثر والسجع والطباق، لكنها تفتقر الى الواقعية السياسية ما ضاعف من غضب اللبنانيين الذين صادر دياب رأيهم بإعلانه نيابة عنهم أنهم إستبشروا خيرا بحكومته متناسيا الاحتجاجات التي ملأت الشوارع وصولا الى منزله في تلة الخياط على تسميته، ومن ثم على طريقة تشكيل حكومته ذات القناع التكنوقراطي الذي يخفي وجوه مستشارين وموظفين لدى التيارات السياسية التي تولت أمر التشكيل.
كعادته أعطى دياب لنفسه صك براءة، تنصل من المسؤولية ورماها على السياسات السابقة وعلى من إتهمهم بأنهم يتربصون به لتفشيله، أشاد بنفسه، أثنى على “إنجازاته في الحكومة التي حققت الكثير”، ولعب دور “البطل” المستهدف من كل الجهات السياسية التي تغار من إنجازاته وتخشى من محاربته للفساد، وتسعى الى تقويض مهماته.
هذا الكلام، طرح سلسلة تساؤلات لجهة: ماذا يقول دياب في ملف التعيينات وفي الاحتفال بعيد ميلاد المعالج الفيزيائي الذي عين مديرا عاما للاقتصاد وتم تقريب جلسة مجلس الوزراء كرمى لعمره المديد وقبل أن يبلغ الأربعين كونه من خارج الملاك؟، وماذا يقول في التشكيلات القضائية التي رفض رئيس الجمهورية توقيعها؟، وما رأيه باقرار مشروع سد بسري بملايين الدولارات في الوقت الذي يحتاج فيه لبنان الى كل قرش؟، وكيف سيبرر فضيحة معمل سلعاتا؟، وماذا يقول عن حصته الوازنة من المقربين منه والمحسوبين عليه الذين دخلوا على خط التعيينات؟، وماذا يقول عن الدولار الذي بلغ في عهده السبعة آلاف ليرة في السوق السوداء؟، وماذا يقول عن الغلاء والوباء، وتسلط الأعداء باخراج العميل عامر فاخوري من السجن ومن السفارة الأميركية على عينك يا لبناني؟.
إذا كان هذا غيض من فيض ما حصل خلال مئة يوم من عمر الحكومة، وتحدث دياب الى درجة “تمنين” اللبنانيين عن الانجازات الكثيرة التي تحققت، فأي حال كان عليه اللبنانيون لو لم يكن هناك إنجازات؟!..
في كل الأحوال يبدو واضحا أن دياب يعيش عقدة الآخرين الذي صب جام إتهاماته عليهم بسيناريو جهنمي، متناسيا أن الجوع والبطالة والفقر والذل والقهر والمرض في ظل اللادولة من شأنهم أن يُخرجوا اللبنانيين عن طورهم وأن ينزلوا الى الشارع ويعبروا عن غضبهم، إلا إذا كان اللبنانيون بنظر رئيس حكومتهم منزوعي الاحساس والمشاعر، ولا يتحركون إلا عبر “الروموت كونترول”، لذلك فإن كثيرا من هؤلاء الغاضبين إستوقفتهم العبارة التي رددها دياب أكثر من مرة في كلمته، وهي “لا لست منهم ولن أكون”.. حيث أبدى هؤلاء على مواقع التواصل الاجتماعي خشيتهم من “أن يكون دياب أسوأ منهم”!..
المصدر:”سفير الشمال“