كالنار التي يُسكَب عليها الوقود، اشتعل سعر الدولار مساء الخميس 11 حزيران، متجاوزاً مبلغ 5000 ليرة للدولار الواحد. ارتفاع السعر كان يتزايد مع تقدّم الوقت، حتى أُفيد عن بلوغ سعر الصرف نحو 7000 ليرة في بعض المناطق، تحت ضغط إخفاء الدولار والإحجام عن بيعه من قبل بعض الصرّافين وتجّار السوق السوداء، ترقّباً للسقف الأقصى الذي قد يصله الدولار. وما شجّع الارتفاع، زيادة طلب تجّار السلع، الذين خافوا من ارتفاع اضافي، فسارعوا إلى طلب الدولار وفق أفضل سعر يمكن الحصول عليه.
ساعات قليلة كانت كافية لتهدئة التقلّبات، غير أن الثمن كان اشتعال الشارع بالاحتجاجات الشعبية، إلى جانب سيطرة الخوف على صغار التجّار والمستهلكين. أما الكبار منهم، فقد بادروا إلى رفع أسعار السلع فوراً على رفوف السوبرماركت، أمام أعين الزبائن، برغم أنها مُشتراة وفق السعر المنخفض. فيما أقدم بعض التجّار على إقفال محالهم تمهيداً لرفع الأسعار في اليوم التالي. وقد شهدت العاصمة بيروت وبعض مناطق البقاع، ارتفاعاً كبيراً في الأسعار.
من ناحية أخرى، لم ترتفع أسعار السلع في أغلب قرى الجنوب، وخاصة محيط مدينة صور. لكن تداعيات تقلّب سعر الدولار كانت واضحة عبر إقفال أبواب بعض المحال التجارية والملاحم، حين امتنع بعض اللحّامين عن شراء اللحم من المسالخ، خوفاً من عدم إقبال المواطنين على شرائها بكميات كافية. وبالتالي، يواجهون خطر كساد اللحم لديهم، فأسعار اللحم في بعض المسالخ ارتفعت.
كذلك حافظ تجّار أعلاف الحيوانات على أسعارهم، لكن تخوّفهم من المسار غير المنتظم لسعر الدولار، كان واضحاً. إذ أن بعضهم يشتري وفق السعر المرتفع، ويضطر للبيع وفق السعر المنخفض مع تقليص هامش الربح. ونتيجة لذلك، لا يبادر هؤلاء إلى شراء كميات كبيرة من الأعلاف.
طوى صباح يوم الجمعة 12 حزيران صفحة الارتفاع. فشهد مؤشّر سعر الدولار انخفاضاً ملموساً وصل إلى 4500 ليرة، من دون أن يقدّم الثقة المطلوبة بعدم الارتفاع مجدداً. وهذا ما حذا بحاملي الدولار من المواطنين إلى الحفاظ عليه وعدم صرفه، تمهيداً لارتفاع مرتقب.
انكار المسؤولية شفهياً، تترجمها أسعار السلع التي سيضع استمرار ارتفاعها التجّار والمستهلكين أمام خيارين، إما مواصلة رفع الاسعار إلى حدّ الاصطدام بعدم قدرة المستهلك على شرائها، وبالتالي يسقط الاقتصاد في فخ الكساد، ويسهم ذلك في خسائر اضافية للتجار، ما ينتج عنه إقفال المؤسسات. وإما استمرار الطلب على الاستهلاك واحتمال التداعيات المتراكمة لانخفاض القيمة الشرائية للعملة اللبنانية. وهو ما سيؤدي في نهاية المطاف إلى إعلان المستهلكين استسلامهم، لأن انخفاض القدرة الشرائية للعملة، يعني بصورة أو بأخرى عدم القدرة على الاستهلاك بالصورة الصحيحة.
لا أحد يمكنه ادعاء معرفة مسار الأمور، فالتغيّر السريع هو السمة الوحيدة. فكل تحليل قد يصطدم بتغيّر مفاجىء. فأي معطيات تلك التي دلّت على ارتفاع الدولار من 4300 ليرة إلى 5000 ليرة؟ وفي أقل من 24 ساعة تم التداول بسعر 7000 ليرة، تبيّن لاحقاً أن شائعة ما تقف خلف هذا الارتفاع، فلم يتم الحديث عن هذا السعر سوى لساعات، في مناطق متفرّقة، وبمعدّلات محدودة جداً، لكنها كانت كافية لخلق الذعر في سوق يتحكّم به أصحاب الاحتكارات، المسؤولين عن رفع الأسعار حتى في زمن تثبيت سعر الدولار. وهؤلاء سيواصلون لعبتهم مستفيدين من الانتقائية التي سيقع في فخّها التجّار في المصارف. إذ لن يحصل الجميع على الدولار الكافي، ولا التحويل المطلوب إلى الخارج. ما يعني أن أصحاب النفوذ سيعززون نفوذهم ويعززون أسعارهم التي سيحمل المستهلك وزرها. فهل يجد المستهلك، وسط هذه الفوضى، ما يشتريه أو ما يشتري به؟
المصدر:”المدن“