صرخة وجع تربوية من صيدا: 60 مدرسة مُهدّدة بالإقفال!

تُرخي الضائقة المعيشية بتداعياتها السلبية، على مختلف القطاعات اللبنانية بلا رحمة او شفقة، تنتشر كالمرض الخبيث في الجسد العليل، تلفظ أنفاسها ولكنّها تُقاوم الموت بهدف البقاء، لا تجدي المسكنات من دون علاج وحلول جدية، فالقطاع التربوي يدفع ضريبة الأزمات المُتلاحقة، ووصلت مدارس خاصة وشبه مجّانية الى مرحلة الإحتضار، أقفلت، أو على الطريق يتهدّدها مصير مشابه.

وجاءت جائحة “كورونا” بعد الإنهيار المالي والاقتصادي، لتُشكّل ضربة قاصمة لهذا القطاع الذي كان من أوائل الذين تأثّروا بها. توقّف العام الدارسي للمرة الثانية بعد انتفاضة تشرين الأول، أقفلت المدارس أبوابها، وجدت إداراتها نفسها بين فكّي كماشة، بين دفع رواتب المعلمين وعدم جباية الأقساط، أنهت خدمات عدد من المعلّمين، خفّضت رواتب الباقين، ولم تستطع رفع أقساطها، فقاومت أشهراً ولكنّها لم تعُد قادرة على الصمود بعد إنهاء العام الدراسي رسمياً وفق قرار وزارة التربية والتعليم العالي، فبات مصيرها مجهولاً، ما يُنذر بثورة تربوية لمعلمين وطلاب، فيما تبدو المدارس الرسمية عاجزة عن استقبال موجات النزوح الطلابي القسري من “الخاصة”.

صرخة الوجع التي أطلقها راعي أبرشية صيدا ودير القمر للروم الملكيين الكاثوليك المطران ايلي حداد بأن “هناك حوالى 60 مدرسة تابعة لأبرشيتي الروم الكاثوليك والموارنة، ومنها مدارس علمانية لكن خاصة، جميعها مهدّدة بالإقفال”، كشفت مدى الأزمة العصيبة التي تعصف بالقطاع التربوي والمدارس الخاصة والأبرشيات خصوصاً، والتي أدّت الى إقفال بعضها وتهدّد بعضها الآخر بذات المصير. والمطران حداد الذي جزم بأنه “ليس هناك قرار بإقفال مدارس الأبرشيات”، أعرب عن مخاوفه الكبيرة “من اضطرار هذه المدارس للإقفال، لأننا وصلنا الى مرحلة لم نعد قادرين على دفع حتى نصف الراتب بسبب تمنّع الأهالي عن الدفع، فيما مقوّمات المدارس ثلاثة هي”الأهل والأساتذة والإدارة”، واذا لم يتعاونوا معاً لا تستطيع ان تستمرّ”، مُضيفاً: “وهناك سبب آخر وهو، أنه حين يصبح وجع المدرسة مادياً يؤثّر ذلك على رسالتها وتفقد قيمتها كخدمة، وتنشغل بوضعها المالي ومشكلات الأقساط مع الأهل، ويكون الأفضل أن نقفلها كمصدر للتوتّر بين المدرسة وبين الأهالي ولنحافظ على رسالة الكنيسة”.

ووفق مفهوم المطران حداد، فإن 60 مدرسة مُهدّدة بالإقفال، يعني مئات المعلمين والعاملين (1500 -2000 عائلة) وآلاف الطلاب، “فيما المدرسة الرسمية غير مؤهّلة لاستقبال هؤلاء، ونتمنّى أن نُقوّي المدرسة الرسمية، لذلك اقترحنا على الحكومات وليس فقط الحكومة الحالية، أن تتبنّى الدولة المدارس الخاصة الجديرة بالتبنّي وتدفع عليها، على الأقل في المراحل التأسيسية، ما تدفعه على المدارس الرسمية، الى جانب أن يبقى جزء من الأهالي يدفع لكن ليس مبالغ كبيرة، لأن الذي يصرف على التعليم الرسمي إذا صرف عليه يُحدث فرقاً، وعلى الأقل لا تعود هناك ازمة وأعتقد أن الحل مُستقبلاً يكون بخصخصة قطاع التعليم كما خصخصة الكهرباء وأي قطاع غير مربح للدولة”.

وصرخة المطران حداد وجدت آذاناً صاغية لدى رئيسة لجنة التربية النيابية النائبة بهية الحريري التي زارته سريعاً، ووضعته في أجواء مساعيها لدعم القطاع الخاص، إنطلاقاً من أن انهياره يعني انهيار الهيكل التربوي برُمّته، على محورين، من خلال اقتراحها الذي وافق عليه المجلس النيابي لدفع 300 مليار ليرة لدعم التعليم الخاص، والذي واكبته باتصالاتها بوزير المال ومسؤول صندوق الضمان الإجتماعي وغيرهما من المسؤولين لإقرار دفع منحة للمدارس المجانية، ومن خلال السعي لإقرار قانون معجّل مكرّر لمنح العائلات المتعثّرة في المدارس الخاصة مساعدة مالية، تُغطّي راتباً آخر سيُقرّ في الأيام القادمة.

معاناة المقاصد
ومدارس الأبرشية المسيحية ليست الوحيدة التي تُعاني في صيدا، إذ سبقتها صرخة من معلمي المدارس التابعة لـ”جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية” في صيدا (ثانوية حسام الدين الحريري، ثانوية المقاصد الإسلامية، مدرسة عائشة أمّ المؤمنين ومدرسة دوحة المقاصد)، الذين أعلنوا الإضراب المفتوح ووقف التعليم عن بعد، إحتجاجاً على عدم قبض رواتبهم منذ أشهر، وبعد وساطة قامت بها الحريري، نجحت في تعليق الإضراب وتجميد رفع الدعوى القضائية بحق المجلس الإداري لجمعية المقاصد، على قاعدة أن المنحة المالية لدعم القطاع الخاص هي بالنسبة للمقاصديين منحة مدرسة “عائشة أم المؤمنين”.

النقابي المستقلّ
في المقابل، إعتبر “التيار النقابي المستقل” ما يجري مؤامرة على التعليم الرسمي، وآخره قرار السلطة إقرار 300 مليار ليرة لبنانية لدعم حيتان المدارس الخاصة، ومشروع البطاقة التربوية، رافضاً هذه السياسة المُندفعة إلى الخصخصة وتدمير القطاع العام بأوامر من صندوق النقد الدولي، ودعا الى تعزيز التعليم الرسمي ودعمه بموازنة كبيرة، لأنه توظيف مربح وضروري للنهوض بالتعليم الرسمي من الإنهيار، وإلى تعزيز المدرسة والمهنية الرسمية والجامعة الوطنية من خلال تقوية أجهزة الرقابة والمحاسبة بُغية رفع الغطاء عن الفاسدين والمقصّرين، تكريساً لموقع كل منها كخيار تربوي وطني سيستقبل العام القادم أعداداً كبيرة من التلاميذ والطلاب الوافدين إليها.

المصدر:”نداء الوطن