النهار – رضوان عقيل
حملت وقائع التظاهرات والمناوشات في وسط بيروت جملة من الرسائل الخطيرة على اكثر من صعيد، ولا سيما انها أطلقت اشارات غير مطمئنة حيال المشهد السياسي في بلد غارق ومثقل بسيل من الهواجس الطائفية والمذهبية والمناطقية لم يشفَ منها بعد، والتي سرعان ما تطفو على السطح في مجتمع غير محصن. وهذا ما ظهر للعيان في تظاهرات السبت. ويضاف الى ذلك الازمات المطروحة من اقتصادية ومالية ومعيشية والتي أصبحت الخبز اليومي للبنانيين، ولم يكن ينقصها الا حصول استنفارات بين القاطنين على خط الشياح – عين الرمانة وامتداد شرارتها الى قلب بيروت ومناطق أخرى. وكانت هذه التطورات محل متابعة عند اكثر من جهة سياسية وحزبية ودينية منعاً لتطور الأمور نحو الاسوأ. وكان الرئيس نبيه بري يتابع تفاصيل هذا السبت من لحظة قدوم المتظاهرين الى ساحة الشهداء وانتشارهم في محيط مجلس النواب، الى كل ما حدث في هذا اليوم. وأعطى تعليماته لشرطة المجلس بممارسة أقصى درجات الحيطة وضبط النفس وعدم استفزاز حركة المحتجين والتعاون مع عناصر قوى الأمن الداخلي المولجة بحماية مبنى المجلس ومكاتب النواب، على ان تكون مهمات الشرطة داخل حرم البرلمان.وسارت الساعات الاولى من التظاهر في ساحتي الشهداء ورياض الصلح في اجواء مقبولة، الا ان ما استوقف المراقبين هو توجه مجموعات كبيرة من المتظاهرين وسيرهم مئات الامتار من ساحة الشهداء في اتجاه الطريق المؤدي الى محلة الخندق الغميق حيث توجه فقراء لملاقاة فقراء. وعندما تبلّغ بري بهذه التفاصيل وجّه تعليماته الى كوادر “أمل” في هذه المحلة بممارسة أعلى درجات الانضباط والتعاون مع الجيش والاجهزة الامنية والعمل على إبعاد الاهالي عن اي اشتباك ودفعهم للعودة الى منازلهم، مشددا على عدم ممارسة اي استفزازات. وكان يخشى وقوع دم في هذا المكان وترجمة ما أعده مخططون لهذه الاعمال وحرف التظاهرة عن مسارها.في غضون ذلك، ارتفعت درجات الحذر عند رئيس المجلس لدى تلقيه معلومات عن تجمعات في عين الرمانة والشياح، فأقدم على اجراء اتصالات اخرى وسريعة مع المسؤولين “الحركيين” يحذرهم فيها من الانجرار الى مشروع الفتنة، ونبههم من محاولات الاستدراج الى اي فتنة او الوقوع في شباكها السامة مع أي من المكونات اللبنانية.وقرع بري ناقوس الخطر في بيان له امس بدأه بتحذير جاء فيه: “الفتنة هي أشد من القتل، ملعون من يوقظها، فحذار الوقوع في أتونها فهي لن تبقي ولن تذر ولن ينجو منها حتى مدبروها وممولوها. ان كل فعل من اي جهة أتى يستهدف وحدة اللبنانيين وامنهم واستقرارهم وعيشهم الواحد هو فعل اسرائيلي… وان اي صوت يروج للفتنة بين ابناء الوطن الواحد وابناء الدين الواحد هو صوت عبري ولو نطق بلغة الضاد(…)” … الى التعييناتوفي زحمة الازمات والملفات المطروحة على طاولة الحكومة، تبدو الأخيرة كأنها في موت سريري غير معلن، ولم تحسن بعد بلورة مخرج للتعيينات الادارية والمالية ولا بت مصير التشكيلات القضائية. وتلقت مكونات الحكومة جملة من الانتقادات حيال تعاطيها مع ملف التعيينات الخليوية حيث تتهم بأنها تطبق اسلوب المحاصصات. وتردد كلام كبير هنا حيال ما رافق تعيينات مجلسي الادارة الانتقاليين في شركتي “الفا” و”تاتش” بعدما عملت الدولة على استرداد قطاع الاتصالات، وان الاسماء التي حلت في المجلسين تعود لـ”التيار الوطني الحر” وحركة “أمل”.ويرد بري بغضب على كل الاتهامات “غير الدقيقة والملفقة” وعلى المعلومات والاخبار التي تناقلتها وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، ويؤكد: “لم أدخل في اي محاصصة لا سياسية ولا طائفية”. ويختصر موقفه حيال هذا الموضوع بأنه لم يتدخل لا من قريب ولا من بعيد في تعيينات هاتين الشركتين ولم يقم على الاطلاق بأي اتصال او فتح هذا الموضوع مع النائب جبران باسيل ولا النائب فيصل كرامي ولا مع وزير الاتصالات طلال حواط.ولا حاجة في نظر المحيطين به للرد بدليل عدم حلول اسم شيعي على رأس مجلس ادارة اي من الشركتين، وان كان المعيار الذي يجب ان يسود في هذا القطاع الحيوي والمنتج هو حلول وجوه كفية ومجربة في قطاع الاتصالات وغيره من القطاعات. مع الاشارة هنا الى ان السيد علي ياسين (شيعي) هو عضو مجلس ادارة سابق في “تاتش”.وعلى رغم كل ما تردد، فإن الوزير حواط اقدم على خطوة شجاعة في اتمام هذه التعيينات في الشركتين. وتكمن مشكلته في عدم قدرته على تسويق ما أقدم عليه من فعل، وان الاسماء التي عُينت جاءت من داخل الشركتين، وان ثمة ايجابيات في تسلم الدولة ادارة هذا القطاع ولم يكن هناك أي تدخل من” أمل” و”حزب الله”، وكانت الكلمة الاولى والاخيرة لحواط في هذا الملف.