قامت مفاضلة الداعين إلى تظاهرة 6/6 في الرهان على الحشد الشعبي في الشارع لإرسال رسائل في كافة الاتجاهات، فحواها أن حالة التنكّر لسلاح حزب الله تنمو.
رئيسُ تيار المستقبل سعد الحريري وحليفه النائب السابق وليد جنبلاط لاذا بنفسيَهما عن الدخول في هذه الجوقة، وعلى الأرجح أن موقفهما نابعٌ من رصدهما لعدم وجود جو خارجي يتعلقُ بتأمين أرضية كافية لخلقِ تغيير منهجي يُستثمر في الانتفاض ضدّ سلاح المقاومة، ولعلّ الجانب السعودي يُعد مصدراً، إذ لم يرصد زوار السفارة السعودية أي حماسة لدى الرياض “حالياً” في تحويل مشهد التظاهرات المطلبية إلى حالةٍ موجّهة ضدّ حزب الله، لكن هذا لا يعني أن الرياض لا ترصد بأهمية أي تحرك من هذا النوع أو أن لا مصلحة لديها في ذلك.
قُبيل 6/6، تواصلَ أحد كبار مسؤولي حزب الله المكلفين التواصل مع الحريري وجنبلاط محاولاً الاستفهام منهما حول إمكان مشاركتهما في التظاهرات سواء بشكل مباشر أم غير مباشر. الحريري أبلغَ سائله أنه لا يرى الآن مصلحة في إدخال الـ”1559″ الى البازار السياسي، ففهم منه أنه ما زال يتموضع ضمن موقفه السابق أن “سلاح حزب الله مسألة دولية إقليمية وحلها إقليمي دولي”.
النائب وليد جنبلاط لم يشذ عن القاعدة ذاتها. كان واضحاً في قوله أن “1559” مرَّ عليه الزمن وبالتالي هو ليس في وارد فتح هذا النقاش مجدداً. وعليه، تولى كل من المستقبل والاشتراكي دحض الشائعات التي روّجت إلى مشاركتهما في التظاهرات “من تحت”. خلاصة القول أن الحريري وجنبلاط تبرآ من “1559”.
بقيَ حليفهما من الطرف المسيحي سمير جعجع، وعلى الأرجح أن الاخير لديه التقديرَ ذاته للظروف بل إن تركيزه الحالي يصبّ في اتجاه رفع قيمة الـ “1701” والمراهنة على “قيصر”.
كافة المؤشرات التي توفرت ليلة 6/6 أجمعت على غياب الرغبة الشعبية للمشاركة في التظاهرة لعدّة أسباب، منها رجوح كفة المجموعات التقليدية المؤثّرة باتجاه عدم المشاركة بعد إدراكها لسيناريو ما يُراد تطبيقه يكفي لاجهاض الثورة، وأخرى تعود إلى “مظلة الخوف” التي رفعت فوق التظاهرة بفعل استفزازها لشريحة لبنانية واسعة، وهذه النماذج ظهرت في طرابلس وصيدا وكان التقدير ان تبلغ مستويات أعلى حال وصولها إلى بيروت، لذا، تولت المجموعات التقليدية إدارة تسريبات عزوفها عن المشاركة ما قلّل من نسبة الحضور.
على الرغم من ذلك كلّه، كبّر أشرف ريفي وبهاء الحريري “خستهما” إلى جانب بقايا الفريق الراديكالي في الرابع عشر من آذار واصرّوا على المشاركة متجاهلين كل التحذيرات التي صبّت في اتجاه إحتمال حصول عارض “صحي” ما، وعلى الأرجح انصبّ هدفهما تجاه تظهير حضور الفريق المعادي لسلاح حزب الله واستفزاز الفريق المقابل وتقديم ورقة اعتماد سياسية للمعادين الخارجين ضد سلاح الحزب عبر القول أن ثمّة ارضية متوفرة ضد السلاح.
الأميركي، رغم أن الوقائع لم تُظهر بعد وجود “أصابع إدارية” تعود إليه في أحداث السبت، كان يتأمل ان يختبر مدى نجاعة سلسلة عقوباته في التأثير على بيئة الحزب وتقليب رأيها، وربما كان هناك إحتمال يُراهن عليه في أعداد المشاركين للبناء على الشيء مقتضاه. لكن الصفعة أتت من قلة الأعداد وهزالتها ما وجّه ضربة للمنظمين الذين انطلقوا بحدّ أدنى بلغ 10 آلاف متظاهر ليجدوا أنفسهم يوم الامتحان أمام بضع مئات فقط. رقم كهذا لا ينفع في تسويق الذات كمحور مواجهة ولا في تقديم أوراق إعتماد قابلة للاستثمار.
من الواضح أن المنظمين هالهم مشهد الأعداد المبعثرة فلاذوا بالصمت ولم يصدر عنهم أي تعليق سيّما في ذروة المناوشات التي حصلت وتطورت إلى “ميني فتنة مذهبية – طائفية” أبطالها جماهير الأحزاب الطائفية التي عادت وطوّقتها بالتعاون مع الجيش اللبناني، ونتيجة إتصالات حثيثة إستمرّت حتى الفجر، والصدمة صدمتان حين تأكد لهم أنه “بكير بعد” على تقديم أوراق الاعتماد.
بناءً عليه، فشلت تظاهرة 6/6 وفشلها ضرب المشروع في مهده، وغالب الظّن ان شظاياه طاولت ايضاً أي خطط لاحقة مشابهة وبالتالي توجيه ضربة لاستمرارية التظاهرات ضمن هذه العناوين والبناء عليها لاحقاً لإطلاق ما يسمى “حركة 6 حزيران” الثورية التصحيحية للمسار وقلبها في وجه حزب الله لا للأسباب المعيشية.
لكن هذا ليس كل شيء، المشروع برمته لم يفشل بل سيُعاد استنهاضه لاحقاً وسيشهد محاولات اخرى تحت عناوين متعددة، وهذا ينقلنا إلى مسار الليل عقب التظاهرات، الذي ليس سوى ردّ فعل طبيعي على فشل مشروع التظاهرات في النهار، فكان لا بدّ من استثمار الذريعة الطائفية المتوفرة دائماً لخلق شارع مقابل، واغبياء الطرف المقابل كان لهم نصيبهم في تقديم جائزة الترضية على طبق من ذهب!
كان الجيش اللبناني متخوفاً من 6/6، بعد أن توفرت لديه معلومات حول إحتمال وجود مجموعات “طابور خامس تقتني السلاح” وتريد الاندساس بين جموع المتظاهرين وربما تستخدمه ضد الجيش، لذا كانت تعليماته المشددة الى عناصره تقضي بعدم إستخدام الرصاص الحي مهما بلغت الظروف، وتولى محيطون بالقيادة العسكرية نقل هواجس المؤسسة إلى الإعلام، لذلك رفعَ الجيش جهوزيته إلى الحدود القصوى ونشر عناصره على طول العاصمة وأبعد من ذلك بإتجاه الشرق والغرب والجنوب والشمال.
كان ثمّة تخوف آخر يخشى منه الجيش، يتمثل بإحتمال دخول مجموعات “طائفية” على التظاهرات تُبعد عنها صفة السلمية، من هنا كان تشديده إلى وسائل الإعلام تجنّب نقل أي تصريحات مذهبية أو طائفية صادرة عن متظاهرين وكذلك تجنّب بثّ أية صرخات استفزازية ذات ميول طائفية تَصدرُ عنهم.
بناءً عليه، يجب إستدعاء القائمين على مجموعة “حراس المدينة” وسؤالهم عن الأدوار المشبوهة التي ادوها عصر السبت، وعن علاقتهم بحفلة الشتائم المذهبية التي كادت أن تتحول إلى فتنة جارفة!
في الخلاصةِ… ما هو مقبل من الايام أقبح بكثير!
المصدر:”ليبانون ديبايت“