الوجهُ الآخر لـ”ثورة 6 حزيران” !

قرارُ تمديدِ حالة التعبئة العامّة حتّى مطلع تموز المقبل فضلاً عن وظيفته في مواجهة كورونا له مهمة أخرى “إنتشال البلاد من الفوضى” التي بدأت تطل برأسها من ساحات بيروت.

مِن الواضحِ، أنّ الدولةَ لا مصلحة لديها الآن في رفع مندرجات التعبئة. المسألة تتجاوز بأبعادها ومخاطرها “كورونا”.

على الأرض، يُعد “وباء التفلت الأمني” أخطر من الجائحة في حدّ ذاتها، وطالما أن إجراءات التعبئة قد أفلحت في الحدّ من الفيروس التاجي، فعلى الأرجح أنها فعّالة في مواجهة “الزحف الوبائي الأمني” واستئصال أيّة أورام قد تظهر.

المشكلة ليست أبداً في مبدأ التظاهر أو الثورة على رؤوس الفساد المنتشرة كالفطر هم ورُعاتهم في الدولة، بل إن الخوف يكمنُ في استفراد بعض المجموعات بالثورة وسلبها إرادتها ثم برمجتها على نحوٍ مخالف لواقعها قد يذهب بها إلى متاهات ويُدخلها في أمورٍ لم تكن مسببة أصلاً لها، والحديثُ هنا يدور على إقحام الثورة في مواجهة مع حزب الله وسلاحه وهو الأمر الذي سيقضي على أي آمالٍ إصلاحية راهناً.

في الحقيقة، لا يُمكن فكّ الإرتباط بين جملة عناوين حضرت بشكلٍ متزامن على المشهد أعقبها ظهور تفسخات إجتماعية – سياسية على الأرض غالباً تأتي نتيجة “الاستثمار” الحاصل في المجال السياسي.

بدءًا من فتحِ سجال المعابر غير الشرعية والدعوات إلى تعزيز صلاحيات اليونيفيل إلى مشهديات الشارع والجوع والغضب وتحميل حزب الله مسؤولية كل ذلك، يحضر “قانون قيصر” الذي يبدو أنه “فعل تصريف” لكل الاستثمار السابق، أو بمعنى أصح “وسيلة إختبار” للتراكمات التي جرى تجميعها. بإختصار، يُمكن القول أننا أمام حالة مواجهة مختلفة هذه المرة.

من الواضح أن السباق اليوم يدور بين فريقَين: السلطة من جهة ممثلة بالحكومة واستطراداً رئاسة الجمهورية، والشارع ممثلاً بالتشكيلات الملوّنة. نقول ملونة لأن تلك المجموعات لا يجمعها شيئاً سوى العداء للعهد والحكومة والطبقة السياسية ككل، بينما تغلب التفرقة على المواضيع الاساسية الاخرى، سلاح حزب الله وقانون قيصر الخ.

ثمّة من يقول ما معنى التظاهرات اليوم في ظلّ حالة التباعد السياسي في الخطابات بين المنتمين إلى نفس الحالة؟

لغاية الأمس، لم تجتمع المجموعات التقليدية مع تلك المستجدة على عنوانٍ واحد يخوّلها جعل يوم 6 حزيران مناسبة لإعادة إطلاق عجلة الثورة. فضلاً عن ذلك، يسود التخوف لدى المجموعات التقليدية من مغبة إقحام نظرتها المستجدة عناوين خلافية على مضمون التظاهرة فتتسبّب بالضرر للمسار العام ككل، بل في إمكانها أخذ الثورة إلى مكانٍ آخر. على هذا الأساس، أعلنت انصرافها عن اليوم الموعود.
والارباك لا يصيب فقط الحراك ومجموعاته، بل الاحزاب والاجهزة الامنية معها.

هذه الاخيرة ما زالت لا تقدر الاسلوب المناسب لمواجهة إحتمالات اليوم، خاصة وأنه يغلب عليها الطابع الخطير. فالاجهزة الأمنية تتخوف من مغبة تحويل التظاهرة إلى منصة لاستدراج عروض الفوضى أو شارع مقابل شارع في حال تناولت مثلاً مرجعيات أساسية أو اموراً تتصل بخلافات سياسية جذرية كسلاح المقاومة.

إفرض مثلاً أن يُبادر البعض إلى تناول أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله بالسوء… ماذا سيحصل؟

الأخطر من كل ذلك، أن الاجهزة الامنية رصدت دخولاً مريباً لجهات “مشبوهة” إلى مسار الايام الماضية. ثمّة كلام رسمي صدر حول ذلك عن لسان مدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان الذي أشارَ إلى ذلك خلال الاجتماع الأخير للمجلس الأعلى للدفاع الذي استضافه قصر بعبدا يوم الخميس. بدا عثمان متأكداً من معطياته حول قيام جهات بتوزيع “المال” على مجموعات محددة.

على الأرجح أن عثمان يقصد بكلامه المجموعات المحسوبة على بهاء الحريري و “منتدياته” أو ربما أبعد من ذلك.

الخلاصات الأمنية التي بحوزة أكثر من جهاز تؤكد حصول وقائع توزيع أموال وشعارات مطبوعة سلفاً لا بل “برمجة” متظاهرين من أجل توجيه صيحاتهم نحو جهة محددة سلفاً بهدف اثارتها، وإلّا، ما معنى دخول أحد الاعلاميين المطلوبين للقضاء بتهمة التحريض والاتصال مع العدو على خط تركيب الخطاب السياسي لـ”حركة 6 حزيران”؟

من الواضح ان الهدف حزب الله، ومن الواضح أكثر أن الجهات الأمنية تعي ذلك لكنها تتعاطى بحذر حول ما يُحضّر له.

من هنا، ثمّة مَن طرحَ مبدأ التعامل الأمني مع الحدث بالاستناد إلى مندرجات “قانون التعبئة” على إعتبار أن ما يُطرح من شعارات وما بحوزة الاجهزة من معطيات، قد يتهدد بحصول فوضى أمنية. بهذا المعنى قد يوفر القانون الذريعة عبر اللجوء إلى قرار “منع تظاهر” يطبق بالممارسة حيث تتولى الجهات الامنية تطبيقه وفق أساليب مرنة تعرقل إحتشاد المدعوّين في الساحات.

لكن ثمّة محاذير لخطوة مماثلة.

يسود التخوّف من إمكان استغلال أي خلل أمني في مسار إعادة استنهاض “المجموعات الثورية” بحجة الاستفراد بها، ما قد يحوّل أي “تحرك أمني” إلى أداة لتسعير التظاهرات في الشارع وخروج الامور عن سياقها. من هنا، كان القرار الأمني بترك التحركات تحصل مع ابقاء العين عليها وإعلان “حالة تأهّب استثنائية” لمواكبة ما قد يجري.

المصدر:”ليبانون ديبايت