انطباعات “سياسية” و تعديلات “حكومية”..

كل من يلتقي رئيس الحكومة حسان دياب يخرج بإنطباع انه شديد التمسك بمنصبه وأن الاستقالة لا تخطر في ذهنه أياً كانت العقبات في عمل حكومته، ولو أنه يدرك أنه يقود حكومة غير متجانسة ولا متآنسة في ما بينها وهي أعجز من أن تؤمن طوق النجاة من الانهيار أو الحد منه رغم كونها من لون سياسي يفترض أنه متجانس وهدفه واحد. وبحكم الأمر الواقع وتحت وطأة الاخفاقات المتكررة بات تعاطي جميع القوى السياسية معها على أنها حكومة سقطت ولا يمكن تعويمها. لذا فهي عاجزة عن إقرار التعيينات. 

حقيقة تدركها حتى القوى السياسية التي عملت المستحيل لتركيب صيغتها ولذا لا نزال نرصد بين وقت وآخر حديثاً متجدداً عن تعديل حكومي محتمل لم يعد مجرد كلام عابر بل إنّ دائرته تتسع داخل الصالونات السياسية ويروج له أطراف أساسيون في الحكومة. فهل يتم الأمر بطلب من رئيس الحكومة وبتنسيق معه؟ أم بناءً لإشارات خارجية؟

وتفيد المعلومات هنا أن نائب رئيس الحكومة وزيرة الدفاع زينة عكر جالت قبل أيام قليلة على القوى السياسية غير الممثلة في الحكومة في محاولة لجس النبض حول امكانية المشاركة في الحكومة في حال حصل أي تعديل حكومي. قصدت عكر أحد الاحزاب المعارضة وسألته عن امكانية المشاركة في الحكومة ليكون تمثيلها متنوعاً. تعلل عكر طرحها أنه من باب حاجة الحكومة الى اعادة تنشيط واذا كان تغييرها بالكامل غير ممكن بعد، فبالامكان تعديل عدد من الوزراء لا يزيد على خمسة او ستة وزراء.

وفق ما ابلغت وزيرة الدفاع مستقبليها فإن الفكرة نابعة من مبادرة شخصية من قبلها وانها تطرحها من باب توسيع دائرة المشاركة في الحكومة. لكن متلقي العرض اعتبروا ان طرحاً كهذا لا يمكن ان تقدم عليه وزيرة من دون تنسيق وتبنٍّ مسبق من رئيس الحكومة. فإما أن الفكرة فكرته وهي تعمل لجس نبض القوى السياسية حيالها أو أنها تعمل بدفع خارجي أميركي على وجه التحديد. والمعروف أن عكر تربطها علاقات صداقة متينة بغالبية القوى السياسية لا سيما تلك غير الممثلة في الحكومة، فضلاً عن ذلك فهي صديقة الاميركيين وتتولى التنسيق مباشرة مع السفيرة الاميركية في لبنان دوروثي شيا وقد تحدثت معها بالأمر بناء على ما تقوله مصادر مطلعة على اجواء السفيرة الاميركية.

تعتبر عكر أن الظرف الذي يمر به البلد يحتم مشاركة الجميع وأن التعديل الوزاري يمكن التعاطي معه بجدية لكنها فوجئت برفض أحد الاحزاب المعارضة للطرح من أساسه لاعتبار أن الوقت غير مناسب لا لتغيير وزاري ولا للتعديل ناصحاً نائبة رئيس الحكومة بالانصراف الى العمل وعدم تضييع الوقت وانه ليس بوارد المشاركة في الحكومة ولا أحد في الوقت الراهن في وارد إسقاط الحكومة “فاعملوا ونحن معكم حيث نجحتم حتى ولو كنا خارج الحكومة”. وخرج أحد المطلعين على حديث عكر بانطباع مفاده ان وزيرة الدفاع أوحت لمستقبليها وكأن الاميركيين يرغبون في مشاركة جميع الاطراف في الحكومة.

وليست فكرة التعديل الوزاري حديثة العهد، فقد عادت إلى التداول خلال الايام الماضية وقد سبق وطرحت بجدية ايضاً قبل نحو شهر تقريباً. يومها طرح التعديل في حقائب الوزراء الموارنة فتم إقتراح تعيين قائد الجيش العماد جوزف عون وزيرا للدفاع وزينة عكر للطاقة وهو الطرح الذي قوبل برفض رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل. سبقها طرح تعديل يشمل وزيري المالية والخارجية وعودة الوزيرين السابقين علي حسن خليل وجبران باسيل لكنه طرح وُئِد لحظة طرحه ونفته مصادر “التيار الوطني” نفياً قاطعاً… على ان القاسم المشترك بين كل تلك الصيغ وجود دور لوزيرة الدفاع في البحث المتجدد في هذا الموضوع.

هناك من يرى أن التعديل الحكومي بات مطلباً يسعى إلى تحقيقه أكثر من فريق سياسي، ومن لا يسعى إليه بجهد خاص منه، فلا يعارضه أو يقف حائلاً دونه اذا ما نضجت ظروفه. أما رئيس الجمهورية فقد لا يعارض مثل هذه الخطوة لا سيما حين تصب في إطار تفعيل عمل حكومة صارت عبئاً على العهد ولم تسعفه، في حين أنّ رئيس مجلس النواب نبيه بري قد يرحب في اعادة تمثيل حليفه “الاشتراكي” أو “القوات” أو “الكتائب” في الحكومة لكنه بالمقابل قد لا يجد له مصلحة بأن يكون عراب الخطوة في هذه الظروف، فيما لا يرى “حزب الله” وجود بديل عن هذه الحكومة ولذا فهي باقية.

صحيح أنها استغرقت فترة السماح المعطاة لها، وان اخفاقها في معالجة ملف التعيينات المالية طوقها ولكن هي مستمرة بالنظر الى صعوبة تشكيل حكومة بديلة وما يتطلبه ذلك من مشقة، خصوصاً وان وضع البلد لا يحتمل مثل هذه الخضات بعد.

وليس بعيداً من هذا التوصيف لا تنفي مصادر مسؤولة في “التيار الوطني الحر” طرح الفكرة التي قبل التيار نقاشها من باب تفعيل الحكومة. لتكون محصلة القول هنا أن لا شيء جدياً بعد تم بحثه بين القوى المسؤولة عن تشكيل الحكومة انما هي أجواء متوافرة عند كل طرف من المكونات السياسية للحكومة منفرداً على أن القاسم المشترك بين هذه المكونات هو الشكوى من عجزها من دون أن يتوافر الاجماع على تعديلها. رغم كل علاتها فإن القناعة الراسخة لغاية اليوم تقول ان الفراغ أخطر بكثير من إستمرار الحكومة على ضعفها.

المصدر:”نداء الوطن