فجأة ومن دون إنذارٍ مسبق عادَ العسكريون المتقاعدون ليتصدّروا مشهد الثورة والتحركات في الشارع، وإن كان من حيث المبدأ وعلى اعتبار ما سيكون.
من الناس من يرى فيهم “أخوان لبنان”، ومنهم من يراهم شياطين خوَنة لقائد سابقٍ لهم، وبين الاثنين من يرى فيهم خشبة خلاصٍ وصمام أمان للشارع، لما لهم من قوة معنوية وتقدير عند الشعب الذي يأبى ان يكون قطيعاً.
مُنذ اليوم الاول لتحركهم في العام 2017، خافت الطبقة السياسية الحاكمة منهم، فعملت على اختراقهم وشرذمتهم فسقط البعض واستمر الباقون، ليحققوا قدرًا صغيرًا من كثير أرادوه. ما شكوا يومًا مما وصلت إليه الأمور في البلد، هم الذين اعتادوا تحسّس المصائب قبل وقوعها. ما استهابوا مسؤولاً ولا خافوا أو تراجعوا، فقط رفاقهم في الخدمة هم “الإيد التي توجعهم”، والتي طالما عملت الحكومات المتعاقبة على وضعهم وجهاً لوجه.
عند إقرار موازنة 2019 حققوا نصف انتصار، بالتعاون مع زملائهم ممن حملوا لقب “السعادة” وغنموا الرقم الازرق، وفي مقدمة هؤلاء مغوار برتبة مواطن، كسر الاعراف وانتفض حتى على العائلة.
يعرفون كما الرئيس عون تماماً انهم يفهمون لغة بعد وان فرّقت المسافة بينهم لاعتبارات سياسية. هكذا ولأن المشروع الذي قاتلوا في سبيله الى جانب الجنرال بات في خطر، هبّوا الى الساحات من جديد.
“نحن بي الثورة وامها، لا يزايدن احد علينا”، هدفنا محدد وغايتنا واضحة كالشمس، لسنا هنا لنخوض حرباً سياسية ولا لننشئ
أحزاباً في لعبة المحاصصة.
اجتمعوا رفاقاً متساوين لا فِرق من يقود كما كانوا دوماً، فالهدف أكبر منهم كأشخاص. عدوّهم “السارق والحرامي والفاسد” أيا كان وأيا كانت ملّته، قبلتهم نظام يَرعى حق الحياة الكريمة لمواطن ما تأخر عن القيام بواجباته، أجندتهم هم يخطّون مواعيدها وفقاً لمقتضيات المرحلة والظروف…. “الخطأ ممنوع” وفقاً لشعار الشرطة العسكرية، والتسرع غير مرغوب، لذلك “ليطمئن الجميع لا دعسات ناقصة”، وإن سقط المراهنون.
“لو لبسنا مدني، جلدنا بعده مرقط”.
هكذا يختصر العسكريون المتقاعدون علاقتهم برفاقهم، سواء من رحل منهم تاركاً في أعناقهم أمانة عائلاتهم، أو من هم في الخدمة الفعلية. فالنافخون في أبواق التحريض على الصدام بين العسكري والإكس – عسكري، سيصابون بالخيبة. صحيح أن البذة المرقطة تغير ترقيطها انما تبقى بذة الشرف والتضحية والوفاء والشعلة التي تنتقل من جيل الى جيل، “فلو دامت لغيرنا لما آلت الينا”.
وفي هذا الاطار، يعتبر العسكريون المتقاعدون أن مطالبهم لا تقتصر على حق العسكري، فكل من خدم هذه الدولة بشرف وأمانة طوال السنوات الماضية هو جندي مجهول ومن الواجب الدفاع عن حقوقه وعدم المسّ بمكتسباته، لأنه من غير الجائز أن يدفع المواطن ثمن أخطاء المسؤولين الفاضحة، متعجبين من اولئك المتسائلين عن سبب الحملة على حكومة الرئيس حسان دياب التي استنسخت في خطتها الاقتصادية المالية ما كان سبق للمتقاعدين رفضه، فلا يظنن أحد ان ما رُفِضَ لحكومة الرئيس الحريري سيكون مقبولاً لغيره، فالمسألة لا علاقة لها بأسماء واشخاص، مؤكدين أنه عند قيام دولة حقيقية وجدية على مبادئ المساواة والحق والعدل، فإن العسكريين كما كل المتقاعدين وعائلاتهم لن يبخلوا بتقاعدهم كاملاً ، هم الذين لم يبخلوا بدمهم، لكن أن تكون “حلول الترقيع” على حسابهم لتمويل “السلة المفخوتة” فإن ذلك لن يمر ،”وما يجربونا”، فلأولادنا الحق بالحياة والعلم والعيش بكرامة كما أبنائهم!
هي دعوةٌ للجميع الى عدم الرهان على انفراط العقد، لأن ما يَجمع هو فوق أي مصلحةٍ أو غايةٍ، فهو مصير مستقبل عائلات ووطن، أكبر من أي كان وأهمّ، على أمل أن يعود الابناء الضالين الذين اختاروا السير تحت عباءة الاحزاب الى حضن الوطن والناس، حيث الفرصة لا تزال متاحة من أجل عملٍ مشترك بعيد عن أي عصبية من أي نوعٍ كانت لتحقيق أهداف الشعب اللبناني.
أياً يكن فإن الغدَ لناظرهِ قريب، سواء كان السبت في 6 حزيران أو غيره، فعند الامتحان يُكرم المرء أو يُهان. فكيف بالأحرى إذا كان بين رفاقِ السلاح…. فالمعركةُ تَجمعُ الماضي بالحاضرِ والمستقبل…
المصدر”ليبانون ديبايت“