“الثورة” تَنتخبُ قيادتها!!!

“السخونةُ” التي شهدتها الشوارع في الأيام الماضية لا يُمكن فصلها عن قرار “التسخين” السياسي الصادر “من مكانٍ ما”، وفي تزامن الحالتين ما يزيد التساؤلات.

التحركات تزامنت مع دخول متدرّج لجملة عوامل سياسية ضاغطة منذ مدة، من الواضح أن لها آثار سلبية على السياق العام.

من ملف الحدود والتهريب واليونيفيل وحادثة بليدا إلى المصارف والدولار ورياض سلامة وتدخلات السفيرة الاميركية والتلويح بالعقوبات وفق مندرجات قانون “قيصر” وما بين ذلك من إعادة التصويب على سلاح حزب الله.

يُقابل قرار “التسخين” في الشارع تسخيناً من نوع آخر يطال “بنية” حراك 17 تشرين الذي يبدو أنه استخلص العبر من الجولة السابقة ويتجه نحو بلورة نفسه في برنامج صريح وواضح يريده إطاراً ناظماً له خلال البدء بفعاليات الجولة المقبلة المرشح أن تكون أشد وأعنف.

مع ذلك، يغلبُ شعور لدى “الحراك” أن الحكومة تُمارس “الحجر الصحي الإلزامي” عليه بدليل استمرار الإبقاء على مفاعيل التعبئة العامة “سالكة” في ظل حالات الرفع المتدرج لمندرجات “الطوارئ” لدى سائر الدول التي ضربتها جائحة الفيروس التاجي وهذا الفعل لا مبرّر له سوى “قطع الطريق” على التحركات الشعبية أو تحديد مساراتها وجعلها رهينة لدى الدولة.

في الحقيقة، الدولة لديها مصلحة في “تقويض” الحراك في الشارع، يعود الفضل في ذلك إلى مندرجات “قانون التعبئة” وهي تجد فيه ما يسمح لها في الاستمرار بذلك، والظروف طبعاً ساعدت بدورها، فجائحة كورونا قدمت إلى الحكومة أفضل تبرير ممكن لإخراج الناس من الطرقات، والمفعول نفسه ما زال صالحاً.
مع ذلك، تمارس الحكومة سياسة “مهذبة” في رفع مندرجات “التعبئة”.

تتناغم مع مثيلاتها من الدول، لكنها تعطي الإجراءات “لمسة لبنانية” إلى حدودٍ يسمح بها الوضع العام طبعاً، لكنها تبقي على مسألة إعادة فرض “التعبئة” وفق مندرجات قاسية بحسب المتغيرات، ما يعني أنها تركت الباب موارباً والمعيار هي من تصنعه، وقد تجد في لحظة معينة ضرورة لرفع الناس من الشارع فتفعل!

لذا، تُبكر “الثورة” في مشروع إعادة استنهاض وتنشيط نفسها في الشارع، ولعل التحركات صوب منازل المسؤولين تصب في هذا الاتجاه على أن يأتي نهار السبت المقبل بمثابة فحص “PCR” لإختبار مدى تآلف المواطنين مع عوارض “الثورة” المستجدة.

إلّا أن التحدي الوحيد يبقى في تنظيم الصفوف وإخراج القيادة من الظلام إلى النور، بعد أن اضحى ذلك مطلباً لدى فئات ضمن “الحراك” كما هو خارجه.

خلال فترة “الحجر” نشطت بعض المجموعات المنضوية ضمن تركيبة “الثورة” في دراسة الخيار الأمثل لبلورة قيادة عامة تمثل شارعها، وعلى الأرجح رضخت أخيراً للأمر الواقع القائل بضرورة وجود قيادة سياسية تتولى زمام تقديم رؤية سياسية إستنهاضية – بديلة للحالة الراهنة، فلا ثورة ناجحة من دون قيادة واضحة، فتُمنح إليها الصلاحيات الادارية والسياسية كافة. من هنا، جرى الاتفاق أولاً على إنشاء “لجنة قيادية” لا يتخطى عدد اعضائها الـ 10.

في المرحلة الثانية استبعد خيار التعيين مقابل الانتخاب المباشر من قبل الشارع كي تمنح القيادة الثقل التمثيلي اللازم.
خطوةٌ من هذا النوع تحتاج إلى بلورةِ “قانونٍ إنتخابي داخلي”.

رسا القرار على جعل “الساحات المنتفضة” بمثابة “هيئات ناخبة” على أساس النسبية ولبنان دائرة إنتخابية واحدة والاقتراع خارج القيد الطائفي، فيما توزعت الاقلام وفق الحضور المنتشر في الساحات، وقد أوكلت مهمة إعداد لوائح الشطب والتدقيق فيها إلى المؤتمنين في الساحات.
هناك فكرة ثانية قابلة للنقاش، تواكب مضامين التعبئة العامة والعصرنة، تطرح الدعوة إلى الانتخابات وفق تقنية رقمية تعتمد الاقتراع عبر تطبيق الكتروني خاص، فيبادر كل فرد إلى إستخدامه وفق طريقة “آمنة” يُتفق عليها، فيختار مرشحه ويقترع له.

لكن الدخول في ورشة من هذا النوع تحول دونها عواقب ومحاذير، فمسألة الأمن وتوافره ضرورية في أي مجال مماثل. ثم أن تجارب الاقتراع الالكتروني على صعيد دول لم تكن ناجحة ورافقتها التأويلات فكيف بتجربة فردية على قياس “الثورة”؟ في وضع مماثل حيث تتوافر ظروف دخول المخرّبين على الخط بنية التلاعب والتخريب او الاخلال بنظام الاقتراع ما سيؤدي إلى إحراجه عن الخدمة يُفضل اللجوء إلى الوسائل التقليدية الآمنة، حتى لا تُصبح التجربة عرضةً للفشل، وللفشل إنعكاساته السلبية وما أكثرها.

في إنتخابات “الثورة” لا لوائح مقفلة أو مفتوحة بل يتم الاقتراع وفق الترشيحات المنفردة بعد التوافق ضمن المجموعات التي يُمكن تشبيهها بالاحزاب التي تخوض الانتخابات تحالفاً وتنافساً. في المقابل، أُبقي على مهلة التقدّم بطلبات الترشيح والتراجع عنها واللجنة الفاحصة والجهة المخولة القبول والرفض والحدود القصوى للمرشحين وكم مرشح يُسمح لكل ساحة والجهة المكلفة مراقبة الانتخابات مبهمة وغير واضحة، وهذا يأخذنا إلى نقاشٍ آخر.

المصدر:”ليبانون ديبايت