كما ذكرت “ليبانون ديبايت”.. : ما غادرَ رئيس الحكومة حسان دياب فكرة أنه مطوّق سياسياً.
في كل مرّةٍ يجد الفرصة مناسبة لتناول أي ملفٍ حساس من الصنف المتشابك بين المراجع ومصالحهم السياسية رغبةً منه في إحداث تغيير ما على مستوى الادارة، يتجدّد الشعور لديه بأنه مطوّق ولا قدرة له على التسلل إلى عمقِ تلك المصالح إلا من خلال فتحات التهوئة أو خوض المعارك.
منطقُ “النفضة” يحتل وجدان رئيس مجلس الوزراء. منذ دخوله السراي، يُريد تكريس سابقة لم يبلغها أحد من أسلافه في التاريخ الحديث، في إجراء تغييرات وتبديلات على مستوى الادارة وفق مفاهيم جديدة خارج منطق المقايضة والمحاصصة. شركاؤه على طاولة مجلس الوزراء باتوا في صورة الخطط الموضوعة، لكن المصالح السياسية عندهم تفوق اي إعتبار، وعند كل طرح تغييري يبادرون إلى اشهار اعتراضاتهم.
لا يُريد حسان دياب كسّر الجرّة مع الشركاء أصحاب الفضل في دعوته إلى السراي، كذلك لا يُريد أن يكون شاهد زور أو “موظفاً” يحسبونه مكلفاً بالبصم على اسماء تساهم في إبقاء الوضع على حاله ولا تحمل أي نَفَس تغييري في بلدٍ بلغَ التفلّت فيه حداً غير مقبول وبات يأنّ تحت وطأة المحسوبيات، بل يريد أن يكون ممراً إلزامياً لأي قرار من نوع إحداث التغيير. هو يجد أن التعقل والنقاش قد يؤديان إلى تحقيق هدفه وإدخال تغيير على نمط أفكار الشركاء وغيرهم، وثقافته تتمحور حول إحداث تغيير شامل من خلال إشراك الجميع حتى ولو استنفد قواه أي طرح من قبلهم.
كثيرةٌ هي الاشتباكات التي خاضها دياب على طاولة مجلس الوزراء ومع الشركاء بشكل علني أو مستتر منذ دخوله السراي.
آخر جولة كانت مع التيار الوطني الحر ومن خلفه قصر بعبدا. لم تصل الأمور بين القصر الجمهوري والسراي الكبير إلى حد الاشتباك على مسألة التعيينات الادارية سواء في محافظة بيروت أو مجلس الخدمة المدنية، بل يمكن القول أن الأمور كانت “ساخنة” بعض الشيء.
لم يَعد سراً أن القصر الجمهوري كان له مطالب عند دياب لها علاقة بالأسماء المرشحة إلى منصب محافظ بيروت. الاسم الذي اختاره رئيس الحكومة سابقاً (بترا خوري) من بين مجموعة اسماء مرشحة لم ينل شفاعة بعبدا التي طالبت ببديل تشارك هي بإختياره، بعدما كان سبقها إلى الطلب نفسه التيار الوطني الحر كنتيجة طبيعية لتدخلات وزير إرثوذوكسي سابق يطمح إلى نيل دور اساسي على صعيد طائفته، وكنتيجة للتباينات وأدوار الوشاة ودخول الكنيسة، إحترقَ الاسم ومعه طارت التعيينات.
بخلافِ ما كان يجري مع المراجع الباقين لا القصر الجمهوري اغلق أبوابه بوجه دياب ولا السراي قد فعل. منذ تاريخ سقوط مرشح دياب نشطت التحركات على خط بعبدا – السراي على أكثر من خط بهدف إيجاد قاسم مشترك يُجمع على اسم، وفي القدر نفسه انتشر المحللون كالفطر في مياه بعبدا – السراي الراكدة مطلقين “صنانيرهم” في كل الاتجاهات تحت عنوان أن دياب يريد التحرّر من وصاية بعبدا، وأملهم كان أن تستقر ولو “ضربة” في مكانها الصحيح.
أحد تلك الخطوط تولاها رجل أعمال يُعد صديقاً مشتركاً لبعبدا والسراي معاً ليتمكن بعد جهد في إحداث خرق تمثل بتسوق طرح سابق كانت قد تقدم به أحد الاطراف يقضي بتسمية الرئيس السابق للهيئة العليا للتأديب القاضي مروان عبود لموقع محافظ بيروت، نظراً لما يتمتّع به من سجل نظيف.
في البداية، كان حسان دياب متردداً بعض الشيء وتردده نابع من شعور طغى لديه حول وجود محاولات للمس باستقلاليته وسلبه حقه في المشاركة بإختيار الاسم، فوقع إعتراضه على القاضي المرشح، وكان من اسباب ذلك عدم معرفته بـالسيرة الذاتية للوافد الجديد.
ومع تطور وتسارع وتيرة التحركات، عدل عن رأيه حين دقق في الاسم ومسيرته الشخصية والمهنية وعثر على إمكانيات مشجعة في إحداث تغيير في النهج ليميل صوب إختيار عبود.
بقيَ هناك تفاصيل أخرى ذات صلة بالتعيينات نفسها كي يتسنى لدياب وضعها على جدول أعمال مجلس الوزراء في جلسته التي ستنعقد يوم غدٍ الثلاثاء، تتصل بتعيينات أخرى لا استقرارها على اسم واحد. كما جرى في موضوع محافظ بيروت كذلك حدث في مسألة تعيين رئيس مجلس الخدمة المدنية المحسوب على حصة الطائفة السنية.
وضع حساب دياب معياراً لديه تمثّل بانتقاء شخصية كفوءة وحسنة السمعة من بين مجموعة مرشحين تمتلك القدرة على ترك بصمة في موقعها بصرف النظر عن تمركزها السياسي الراهن، وكان قد سبق له أن وضع الجميع في صورة انه لا يسعى لاختيار مرشحين بأسماء استفزازية لأي جهة، كي لا تصبح سبباً في عرقلة عملها لاحقاً.
من الواضح أن دياب كان يُرسل رسائله بشكل غير مباشر بإتجاه بيت الوسط الذي بدرَ منه جو سلبي تجاه السراي، كان رئيسه يريد إجراء تغيير موجّه ضد تيار المستقبل في رأس هرم مجلس الخدمة المدنية، وعلى الأرجح الرئيس سعد الحريري لم يتلقف الرسالة بعد أن سربت أوساطه أنه ينتظر دياب على مفرق التعيينات ليبني على الشيء مقتضاه.
في الغالب، أن الحريري يُحضّر لمعركةٍ يريد من خلالها توجيه أصابع الاتهام إلى دياب المتهم بدوره في السعي إلى تفريغ الادارة من العناصر “الحريرية” ولو أن الحد الادنى من الادلة مفقود في إنضاج اتهام مماثل. هذا ما يدركه جمع غفير من المتابعين، ما يعني ان كل الاعتراض في حال حصل سيكون نابع في خلفيات سياسية تنافسية.
المصدر:”ليبانون ديبايت“