دياب المُحاصر “يُكشِّر” عن رسائلِه!

دأبَ أعضاء وفد صندوق النقد الدولي المُكلف التفاوض مع ممثلي الحكومة اللبنانية على “تلطيش” الوفد اللبناني و”تسميعه الكلام” عند كل محطة إجتماع، بذريعة فرض حزب الله سيطرته على كامل الوضع اللبناني، فكان أن أتى الإلهام إلى رئيس الحكومة حسان دياب بضرورةِ نقض الموقف الدولي السائد بتحركٍ على الأرض يُظهره كممسكٍ بزمام الامور، فإختار الجنوب وجهةٍ له.

يمتازُ الجنوب بموقعٍ جيد لبعث الرسائل في كافة الاتجاهات.

يحتاج حسّان دياب إلى “شدشدة” حضوره السياسي بعد النكبات التي ما انفكَ يتعرض لها منذ عدة أسابيع.

رئيس الجمهورية ميشال عون “يُكفي ويُوفّي” بحق دياب الممتعض من آداء بعبدا الأخير سيّما تدخلها في مجال رؤيته “الكهربائية” وإقحام المادة 56 وسط “المعمعة” حينما كان المجال ممكناً للنقاش، وكإنما دياب بدأ يترصّد محاولات إخضاع مصدرها القصر.

مع حاكمية مصرف لبنان حدّث ولا حرج. لم تدم المساكنة طويلاً حتى إنفجرت القلوب المليانة نتيجة عِناد رياض سلامة. الخرق الوحيد الذي سجل كان “تسووياً” على طريق عين التينة.

وبالعودة إلى مسار المفاوضات، يتعمد الوفد الدولي توجيه سؤال محدد إلى الحاضرين اللبنانيين عند وصول التفاوض إلى نقاط حساسة: كيف لنا أن نساعدكم وحزب الله يُسيطر على الدولة، وما هي الضمانة كي لا يتسرّب المال إلى خزائن الحزب؟! فيعمّ الصمت وجوهَ الحاضرين كإنما وقف على رأسهم الطير!

بالنسبة إلى الوفد الدولي، حزب الله يتحكّمُ بالشاردة والواردة في لبنان وهذا قطعيّ لا مجال لمناقشته. في المقابل، يتصرفُ الوفد اللبناني وكأنّه فاقدٌ للقدرة وكأنما مواقف “صندوق النقد” منزّلة لا تقبل الجدل.

يتلقف الاتهام وببرودة أعصاب يردّه إلى موضعه بالنفي من دون إبداء الرأي به أو فتح باب لمناقشته خشية على مصير جولات التفاوض، ما يتيح للوفد الدولي رفع منسوب الابتزاز وإرساء مزيدٍ من أسباب إخضاع الدولة إلى مشورته، والمشكلة عادةً تكمن في الخفة المستخدمة لدحضِ الاتهام من الجهة اللبنانية مقارنة بتلك المستخدمة من قبل الوفد الدولي.

إلّا أن رئيس الحكومة اختار وضع حدٍّ لهذه المهزلة المتحكمة بمصير التفاوض الذي افقدت لبنان على ما يبدو “حق الفيتو” أو إبداء الرأي وما زال ينزلق بإتجاه فقدان السيادة، فقرّر التوجه جنوباً حيث مبعث الرسائل ملائم لأي ظرف مماثل.

بداية، تمثل وطأة أقدام دياب أرض الناقورة حيث القيادة العامة لقوات اليونيفيل، لفتة كفيلة بإسباغ الزيارة صفة خاصة، وكأن الناقورة أصبحت بوابة الجزء المحرر من الجنوب لا بلدة القنطرة مثلاً الحائزة على لقب “مفتاح التحرير”.

ولحركة دياب وظيفة أخرى حين تحضر متزامنة مع “مناوشة” أهالي “بليدا” وجنود من الكتيبة الفنلندية اقتحموا اراضٍ غير مخولين بدخولها، لتصبح ذات صلة بتعمد تظهير الموقف الصريح من اليونيفيل ووجودها بإعتبارها حاجة لبنانية إستناداً إلى القرار 1701.

يُبدي دياب حرصاً لافتاً على نقض الاتهامات الدولية حول استحواذ حزب الله على الجنوب من ضمن الوضع اللبناني برمته، غرضه من ذلك تمرير المفاوضات مع صندوق النقد بأقل خسائر ممكنة، بالاضافة إلى ذلك نيّته تظهير إمساك الدولة لمقاليد الوضع الجنوبي، يُساعده في ذلك حزب الله الذي لم يتدخل بالزيارة مطلقاً، كذلك الجيش اللبناني بعدما أطفى حضور قائد الجيش جوزاف عون “الكمال السيادي” عليها.

المطّلعون على موقف رئيس الحكومة لا يستبعدون التداخل بين ما حصل في بليدا والذي يدور على طاولة المفاوضات مع صندوق النقد مما أدى إلى تسريع إتمام الزيارة إلى الجنوب ولفّها بإطار بعث الرسائل إلى أكثر من موقع.

من جملة هذه الرسائل تلك التي صدرت عن أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله سواء تجاه اليونيفيل أو مفاوضات صندوق النقد. بدا نصرالله ليناً ما أتاح مزيد من الاستفادة من جانب دياب الذي يُعاني من “تسرب” في قاعدة بيانات علاقاته ضمن التركيبة ويسعى إلى التعويض عبر الاستظلال باليرزة.

يستظلُّ رئيس الحكومة بقائد الجيش وهذا واضح، إنها واحدة من مفاتيح اللعبة الداخلية التي يسعى إلى الاستفادة منها كي لا يظهر مغلوب على أمره.

في الاساس يعلم أن مصدر حمايته سياسياً يتموضع في الضاحية، لكنه يحرص على رسم “خط بياني” في العلاقة مع حارة حريك حرصاً منه على استتباب أمر التفاوض مع الصندوق الدولي. لا يريد وجع رأس، لكنه في المقابل يعوض عن خسائره عبر مزيدٍ من التعاون مع وزراء الثنائي الشيعي ورفع التنسيق مع الوزراء المحسوبين على الحزب على طاولة مجلس الوزراء.

إنها لعبة “جمع التناقضات” التي ظهر أن دياب يطمح إلى إمساكها منذ مدة قصيرة. وضعه الآن كجندي دخل حقل ألغام وعلق في وسطه. وهو يترصد الآن أي لغم سينفجر به اولاً، ومع تعدد الالغام وأصنافها تصبح إمكانيات الاصابة مرتفعة..

كيف سينجو دياب من قدره الحتمي بتسجيل إصابة واحدة على الأقل، وكيف سيكون وضع تلك الإصابة؟ أو بالاحرى وفق أي طريقة سيخرج دياب من الحقل؟.

المصدر:”ليبانون ديبايت