عادت ظاهرةُ تعاطي المخدرات وترويجها بين طلاب المدارس الى الواجهة مجدداً، وهي قضية كانت مدار بحثٍ ومتابعةٍ في الاعلام، كما وحظيت باهتمام الرأي العام لما تشكّله من خطورةٍ على المجتمع والمؤسف أنها تطال عنصر الشباب مع ما يترتب على ذلك من خطورة في تدمير مستقبلهم.
قاضي التحقيق في لبنان الشمالي داني الزعني أصدر في العام الماضي استنابات قضائية كلّف من خلالها خمس مدارس سبق أن حامت حولها شُبهات عن تعاطي بعض الطلاب فيها المخدرات وترويجها، وذلك عبر سلسلة إجراءات إدارية صارمة، في خطوة استباقية لمحاولة الحدّ من إنتشار هذه الآفة بين التلاميذ في المدارس، وقد اتّخذ الزعني قراره حينها على خلفية التحقيقات التي قام بها طوال شهرين خلال صيفِ العام 2019، بالاضافة الى المجهود الذي قام بهِ عناصر الفرع الفنّي في شعبة المعلومات للولوج الى “داتا” هواتف التلاميذ، فأدّى هذا التعاون الى التمكّن من الكشف عن الوسائل المعتمدة من قبل المروّجين على مداخل المدارس المعنيّة للإيقاع بطلابها.
ومؤخراً، أصدر القاضي الزعني قراره الظنّي بحق تلامذة ثانويين في قضية تعاطي وترويج مخدرات حيث تبيّن أن المُدّعى عليهم وبحكم الصداقة التي تربطهم على مقاعد الدراسة الثانوية في مدارسٍ عدّة، يتعاطون سوياً المخدرات ويستحصلون عليها ويوفرونها لبعضهم البعض ويجتمعون لتسهيل تعاطيها من دون عوض.
واللافت، كما وصف محامٍ وكيل لأحد المتهمين، بأنّ التحقيقات اتخذت طابعاً “أبوياً” من قبل القاضي الزعنّي، لجهة التعاطي مع التلاميذ، حين أخذ بعين الاعتبار أعمارهم، ووضعهم الاجتماعي والعائلي بالرغم من أن الأكثرية بينهم من عائلات مرموقة ومعروفة.
مع الاشارة الى الدور السلبي الذي لعبَهُ الاهل في محاولة التنصّل من المسؤولية بالإضافة الى إهمال إدارات المدارس في كيفية التعاطي مع مصيبة كتلك الحاصلة، بالرغم من أنّ القاضي المحقق كان حريصاً على عدم وصول العامة لمعلومات عن تلك المدارس أو أسماء التلاميذ.
وبالمحصّلة، تبيّن أن معدل تعاطي حشيشة الكيف بينَ التلاميذ هو بنسب عالية جداً، وتنتشر بينَ مدارس عدّة تمتد من العاصمة بيروت الى إحدى المحافظات القريبة منها.
وأن السبب الرئيس لحصولهم على المخدرات كان توافر المال بين أيديهم، بالإضافة الى عدم وعي الاهل وفقدان أي مراقبة جديّة لما يرتكبه أولادهم في عمرٍ يافع.
وأنّهُ بدلاً من أن يتعاون الاهل مع القضاء، آثروا الضغط سياسياً عبرَ نواب من صيدا وجبل لبنان ولبنان الشمالي ومن خلال إحدى الشخصيات السياسية الرفيعة.
إلا أن الموقوفين كانوا حتى الامس القريب في السجون، ولم تُرفع أي مذكرة توقيف غيابية عنهم كما علمَ “ليبانون ديبايت”، إلّا من قبل الهيئة الاتهامية بسبب جائحة “كورونا” بفعل تواجد أغلب التلاميذ المتوارين خارج لبنان.
وجاء في قرار القاضي الزعني:
أنه في الاراضي اللبنانيّة, مدينة البترون، وبتاريخ لمّ يمرّ عليه الزمن أقدم أ.ع. (مواليد 2001 لبناني) و م.ن. (مواليد 2001 لبناني) و س.خ. (مواليد 2001 لبناني) و ب.س. (مواليد 2001 لبناني) على تعاطي المخدرات فيما أقدمَ ه.ب.ش. (مواليد 2001 تونسي) على ترويجها.
وأنه بتاريخ 18/6/2019 تمّ توقيف المدعى عليهم أ.ع. و س.خ. و م.ن. وب.س. على حاجز تابع للجيش اللبناني على جسر المدفون في منطقة البترون، حيث ضُبط مع المدعى عليه أ.ع. سيجارتين ونصف من حشيشة الكيف، والذي إعترفَ والموقوفين الثلاثة معَهُ بالتعاطي وبالاستحصال على الحشيشة من المدعو ه.ب.ش. الذي كان يزوّدهم بها لقاء مبلغ 10.000 ل.ل. عن كل سيجارة موضّبة للتدخين.
وأنه بتاريخ 13/7/2019 أوقفَ المدعى عليه ه.ب.ش. في مطار بيروت الدَولي لدى عودتهِ من باريس، بموجب بلاغ بحث وتحرٍ صادر عن النيابة العامة الاستئنافية في الشمال.
وأن المدعى عليه ه.ب.ش. أنكرَ ما أسنِدَ إليه، وأدلى بأنه تونسي وغريب عن البلد يتابع دراسته منذ فترة وجيزة في مدرسةٍ فرنسية في بيروت وهو لا يعرف أحد في لبنان إلا أصدقائه في المدرسة، وانَّ ا.ع. و ج.ع. كانا يوفران الحشيشة لهُ، وأن ج.ع. كان يأخذه الى سطح منزل س.خ. مع م.ن. حيث كانوا يجتمعون ويتعاطى الجميع الحشيشة. كما أن ا.ع. هوَّ من عرفّه على التاجر “فادي” الذي يتصل بهِ على رقم هاتف يبدأ برمز “81”.
وأنه بعدَ توقيف المدعى عليه ا.ع. ورفاقه إتصل المدعى عليهما ا.ع و ا.خ. بالمدعى عليه م.ب.ش. ناهينه عن العودة الى بيروت، إلاّ انه لم يأخذ ذلك على محمل الجدّ.
وانه بتاريخ 17/7/2019 تمّ إستنابة رئيس شعبة المعلومات لتكليف من يلزم لإجراء دراسة تقنية لتحليل داتا الاتصالات الصادرة والواردة على ارقام الخلوي العائدة للمدعى عليهم.
وأنه بتاريخ 19/7/2019 جرى الاستماع الى شهود من أصدقاء المدعى عليهم من التلامذة في مدارسٍ أخرى غير تلك التي يتابع فيها المدعى عليهم دراستهم، حيثُ إدعت النيابة العامة عليهم بجنحة المادة 127 مخدرات.
وان المدعى عليه س.خ. أدلى انه كان يشتري الحشيشة من ه.ب.ش.، الذي كان يستحصل عليها من التاجر “فادي” انما بنفس السعر الذي كان ه.ب.ش. يدفعه للتاجر.
وانهم عادةً كانوا يذهبون الى مرأبٍ في منطقة الاشرفية، حيث يضعون مالاً في حفرة في الحائط الداخلي للمرأب، على ان يعودوا بعض حوالي 15 دقيقة ليجدوا الحشيش مكان المال الذي وضعوه، بعد التنسيق مع التاجر على المكان وساعة وضع المال واخذ المخدرات.
وأضاف بأن ج.ع. كان يشتري من ه.ب.ش. وهذا الاخير كان يشتري أيضاً من ج.ع.، وهو يشتري أيضاً من هذا الاخير وانهم كانوا يتعاطون في منزل ه.ب.ش.
وأن المدعى عليه ج.ع. أنكرَ ما أسنِدَ إليه وبعدَ مواجهته بالمدعى عليه ه.ب.ش.، صرحَ انه لم يروّج لأحد حشيشة وانه لم يكن يشترِ لا من ه.ب.ش. ولا من غيره، فهوَ كان يذهب الى منطقة الفنار- الزعيترية ويشتري حشيشة من هناك، ولم يكن يعط أحد، خوفاً من نقص مخزونه من الحشيشة.
وبالمقابلة بينهم، أكد ه.ب.ش. انهم كانوا يجتمعون في منزله او على سطح منزل س.خ. ليس فقط من أجل التعاطي بل بدافع الصداقة في المدرسة.
وان المدعى عليه م.ن. إعترفَ انه كان يذهب الى منزل ه.ب.ش. ليتعاطى.
وان المدعى عليه ب.س. إعترف انه كان يتعاطى الحشيشة معهم وان س.خ. كان يتصل ب ه.ب.ش. ليؤمن إتصال بالتاجر “فادي” لتحديد موعد اللقاء وكيفية الحصول على الحشيشة.
وأنّ عدد من الشهود أدلوا بانهم منذ أكثر من سنتين حينما كانوا ما زالوا يتابعون دراستهم الثانوية، كانوا يشترون الحشيشة بمبلغ 10 دولار من المدعى عليه ا.ع.
وأنه يتبين ان المدعى عليهم وبحكم الصداقة التي تربطهم على مقاعد الدراسة الثانوية في مدارسٍ عدّة، يتعاطون سوياً المخدرات ويستحصلون عليها ويوفرونها لبعضهم البعض ويجتمعون لتسهيل تعاطيها من دون عوض، سيما وانهم يدفعون ثمنها كما يشتريها أي منهم بنفس السعر من التاجر “فادي”، فيما خلا المدعى عليه ا.ع. الذي إعترف الشهود بشأنه، انه كان يتقاضى 10 د.أ ثمن السيجارة الواحدة، ومضمون التسجيلات الصوتية العائدة والصادرة عن س.خ. والتي تمّ مواجهته بمضمونها خلال التحقيق الاستنطاقي والتي تشير الى تورطه بالترويج.
وحيث تكون افعال المدعى عليهما، المعززة بالقرائن وإفادات الشهود والتسجيلات الصوتية المشار إليها أعلاه بإسهاب لجهة قيام ا.ع و س.خ. بترويج الحشيشة للإستهلاك الشخصي وبين رفاقهم لتعاطيها، تؤلف عناصر المادة 126 مخدرات و127 منه لجهة التعاطي.
وحيث تكون أفعال المدعى عليهما ج.ع. و ه.ب.ش. لجهة توفير المواد المخدرة عن قصد وبدون عوض تؤلف عناصر المادة 126 في فقرتها الثانية و127 لجهّة التعاطي.
وحيث إن أفعال سائر المدعى عليهم تؤلف عناصر المادة 127 مخدرات.
لذلك نقرر:
إعتبار أفعال المدعى عليهما ا.ع. و س.خ. تؤلف جناية المادة 126 مخدرات وجنحة المادة 127منه.
إعتبار أفعال المدعى عليهما ه.ب.ش. و ج.ع. تؤلف جناية المادة 126/2 مخدرات وجنحة 127 منه.
وفي زمنِ الكوارث الاقتصادية والتفلّت الاجتماعي وعدم تنبّه شريحة كبيرة من اللبنانيين على ما يقوم بهِ أولادهم اليافعين تحت جنحِ الظلام، يبقى قضاة لبنان يمثلون الأمل بغدٍ أفضل، والمؤسسة الدستورية الاولى التي لا تطبّق النصوص فقط بل تحقق العدالة لشعبٍ عانى ما عاناه من تسلّطِ حكامه وبطشهم وفسادِ سياسييه.
على أمل أن تأتي التشكيلات القضائيّة لتواكبَ عمل هؤلاء القضاة الذين يبقونَ صمام الامان لحماية حقوق شعبهم… أَليسوا ملحَ الأرض!
المصدر:”ليبانون ديبايت“