“ما تزال “الكيمياء” مفقودة بين رئيس الحكومة حسان دياب وبين السواد الأعظم من اللبنانيين الذين لم يستسيغوا آداءه وسلوكه وكيفية مقاربته لمختلف القضايا والأزمات، كما لم ينجح هو في إقناعهم وفي تقديم ما يطمئنهم الى حاضرهم وغدهم ومستقبلهم، حيث يؤخذ عليه أنه يغرق في النرجسية والتنظير وينقذ نفسه برمي المسؤوليات على الآخرين، ثم يخترع بطولات وإنجازات وهمية لا أساس لها.
وعلى قاعدة من “أحبك صرّف لك، ومن بغضك أحصى عليك أنفاسك”، يُحصي معظم اللبنانيين على رئيس الحكومة أنفاسه، وبما أن عوده في السياسة ما يزال طريا، ونعمة الحكم ما تزال مستجدة عليه وعلى عائلته والمحيطين به، والأزمات المتلاحقة تربكه وتفقده منطق الكلام والفعل، فإن دياب يتخبط عشوائيا في سلسلة مواقف يتخذ منها اللبنانيون فرصة للسخرية والانتقاد ونشر التغريدات اللاذعة بحقه.
خلال المئة يوم الأولى من عمر الحكومة، كانت هناك العشرات من الأخطاء التي إرتكبها دياب أو إرتكبت باسمه، من دون أن يكون هناك من يصحح له أو يلفت نظره الى طبيعة الشعب اللبناني وكيفية التعامل معه، والى ما يقنعه أو ما يستفزه، خصوصا أن دياب ما يزال “مقطوع من شجرة” سياسيا وطائفيا بالرغم من محاولته التقرب من دار الفتوى ومن المفتي عبداللطيف دريان وإصطحابه الى صلاة العيد.
بغض النظرعن الأزمات الكبيرة التي تعصف بلبنان وإزدادت تداعياتها في ظل حكومة دياب على صعيد الهيمنة السياسية على الحكومة، وعدم قدرتها على إجراء التعيينات المالية أو التشكيلات القضائية، وإخفاقها في وضع إستراتيجية لمحاربة الفساد، والتناقض والتخبط أمام صندوق النقد الدولي، وإرتفاع سعر الدولار الأميركي بشكل غير مسبوق ووصوله للمرة الأولى الى حدود 4500 ليرة، والغلاء الفاحش الذي إزداد ثلاثة أضعاف، والتقنين القاسي في الكهرباء، والامعان في الاساءة الى البيئة من خلال سد بسري الذي مرره جبران باسيل في عز أزمة كورونا، وغيرها كثير من الاخفاقات، إلا أن ما إستفز اللبنانيين الى حدود الغضب والخروج عن الطور مؤخرا، هي أمور ثلاثة:
أولا: كلام عقيلة رئيس الحكومة عن الشعب اللبناني وإقتراحها بأن تتجه الفتيات الى الخدمة في المنازل وأن يتجه الشباب الى العمل كنواطير في الابنية، فضلا عن طرحها موضوع الزواج المدني الذي إستفز طائفة زوجها والتي تشعر اليوم بضعف موقع رئاسة الحكومة وبتهديد لاتفاق الطائف، فيما المؤتمن على هذا الموقع لا يحرك ساكنا.
ثانيا: كلام دياب لمناسبة مرور مئة يوم على إنطلاق عمل الحكومة، وإعلانه عن الانجازات التي بلغت 97 بالمئة من الورقة التي أعدتها الحكومة، في الوقت الذي لم يشعر فيه اللبنانيون بانجاز واحد، بل على العكس فإن الأزمات وتداعياتها الكارثية تحيط بهم من كل حدب وصوب، الأمر الذي جعل رئيس الحكومة تحت مرمى سهام المواطنين الذين صبوا جام غضبهم عليه وكالوا الاتهامات له.
ثالثا: إصطحاب دياب للمفتي عبداللطيف دريان الى الصلاة صبيحة عيد الفطر السعيد، وإصرار دياب على تنفيذ البروتوكول بالرغم من الأزمات الصحية والسياسية والمالية والاقتصادية التي تعصف بالبلاد، لجهة إجراء التشريفات له والسير على سجادة حمراء وصولا الى المسجد، وما زاد الطين بله هو قيام أحد عناصر الحرس الحكومي بحمل المظلة للرئيس دياب لتقيه مياه الأمطار، الأمر الذي أشعل مواقع التواصل الاجتماعي بانتقادات لاذعة، حيث إستعان كثيرون بصور للرؤساء: ميركيل في ألمانيا وبوتين في روسيا وترامب في أميركا وغيرهم وهم يحملون المظلات بأنفسهم تحت الشتاء، داعين دياب “الى التمثل بهم، والى أن يخفف قليلا من شهوة التمتع بجنة الحكم ومزاياها وعطاياها”، كما لفت كثير من المغردين نظر دياب الى أن “الدخول الى الصلاة والى بيت الله لا يحتاج الى سجادة حمراء!!..”.
المصدر:”سفير الشمال“