كلية الإعلام: قمع في الفرع الأول، ومجالس تأديب “غير قانونية” في الفرع الثاني

انتشر منذ أيّام منشور على مواقع التواصل الإجتماعي لطالب في كليّة الإعلام الفرع الأوّل، يتحدّث فيه عمّا تعرّض له في كليّته من تهديد باتّخاذ إجراءات قانونيّة بحقّه وإمضاء تعهّد، وذلك على خلفيّة منشور كان قد نشره على حسابه الخاص يتحدّث فيه عن خطر العودة إلى الجامعة في ظلّ أزمة الكورونا، ويبدي تخوّفه من الوضع.

ولأنّ الجامعة اللبنانية هي نموذج مصغّر عن صورة هذا البلد، وعبارة عن تقسيماتٍ حزبيّة وطائفيّة بين الفروع، تسابق طلّاب الفرع الثاني وبشكلٍ خاص أفراد “الهيئة الطالبيّة” على مواقع التواصل، إلى التعبير عن إنزعاجهم من الموضوع، منددين بالأسلوب والممارسات القمعية والترهيبية السائدة في “الفرع الأوّل”، متوّهمين أو متهرّبين من حقيقة: أنّه وإذا اختلفت الرايات والتوجهات، تبقى الممارسات القمعيّة هي نفسها في كافّة فروع الجامعة اللبنانيّة.

وتأكيدًا على ما ورد، أردت أن أشارككم ما حدث معي في كليّة الإعلام – الفرع الثاني، هذا الصرح التعليميّ الذي ومن المفترض أن نتخرّج منه وفي يدنا قلمنا سلاح للدفاع عن حريّة الرأي والتعبير.
يكسر قلمنا داخل هذا الصرح لمجرّد أنّنا قرّرنا التعبير عن معتقدات وأفكار تخالف الأفكار المسوّق لها داخل الكليّة، أو السياسة الحزبيّة – الطائفيّة السائدة.

منذ حوالي ثلاث سنوات، تحديدا في شهر أيار من العام ٢٠١٧، عندما كنت في السنة الأولى صحافة، تلقّيت اتّصالًا من سكرتيرة مدير كليّة الاعلام – الفرع الثاني أنذاك، تخبرني بأنّ المدير استدعاني لمكتبه. حددت النهار والساعة، لكنّها لم تحدّد السبب، رغم سؤالي المتكرّر عن الموضوع.

أذكر أنّه كان نهار عطلة في الجامعة، انتظرت في غرفة السكريتاريا حيث التقيت عندها برئيسة “الهيئة الطالبية”، ولأنّي لم أكن أعرف موضوع استدعائي، ظننت نظراتها الغريبة وابتسامتها مجرد صدفة، وربّما سبب الإستدعاء بعدها جعلني أسقط نظريّة القدريّات والصدف، مقتنعة تمامًا أنّ تلك الإبتسامة كانت خلفيتها الإستهزاء، وأنّ مثل هكذا استدعاءات غالبًا ما تكون نتيجة تواطؤ بين الإدارة والهيئة الطالبيّة، خاصة إذا ما كانوا من نفس الإنتماء الحزبي والسياسي، فيتحول الموضوع إلى “تصفية حسابات” مشتركة، مع كل من يعارض خطهم السياسي أو ممارساتهم الحزبية داخل الكلية.

دخلت غرفة المدير، وإذ بي أتفاجأ بطاولة جلس إليها كل من أمين السرّ، ورئيس قسم الصحافة أنذاك، ومدير الكليّة: لقد أتيت إلى غرفة تحقيقٍ تشبه غرف تحقيق الميليشيات الحزبيّة أيّام الحرب الأهليّة (التي شاهدتها في الأفلام وحدّثوني عنها من شهدوها)، لكنّ هذه ألبسوها قناع بسترة رسميّة وكرافات و”شهادة دكتوراه”.

لم يستطع عقلي تصويرها إلّا على هذا الشكل لأسباب عديدة: إستدعاء لا أعرف سببه، نبرة الصوت المستخدمة هي ذاتها التي يمكن أن تسمعها خلال التحقيقات العسكريّة، عبارات من التهويل والتهديد، وكل ما يمكنه مفاقمة نتائج “الحرب النفسية” المستخدمة ضدّي، إضافة إلى سبب استدعائي طبعا.
لقد فهمت في بداية التحقيق أنّ سبب الإستدعاء كان على خلفيّة منشور نشرته على حسابي الخاص على موقع التواصل الإجتماعي “فيسبوك”، وجاء في موضوع المحضر: “بيان عن الفساد على شبكة التواصل الإجتماعي”.

لا أعلم إذا كان مصطلح “فساد” الذي استخدمته في حينها للتعبير عن واقع معيّن في الكلية بشكل خاص، والجامعة اللبنانية بشكل عام، قد مسّ تعييناتهم الحزبيّة، أم أنّها مجرّد “قلوب مليانة” من إنتقادات وإعتراضات على ممارسات عديدة في الكليّة طالت مراجعهم الحزبيّة – الطائفيّة.

لكن حتماً سبب المحضر لم ينطلق من حرصهم على صورة الجامعة الوطنيّة على مواقع التواصل كما ادعوا، حيث أنّ ممارساتهم بذاتها تسيء للجامعة اللبنانية وتهمّشها وتدمّر ما تبقّى منها، خاصة عندما تستغل “الهيئة الطالبية” نشاطاتها لرفع الأعلام والأناشيد الحزبية في باحة الكلية بمشاركة المدير ومباركته، لتجاهر بعدها بنشر الصور على مواقع التواصل الإجتماعي، وكأن حرم الجامعة “الوطنية” هو المكان المناسب للتحديات والإستفزازات السياسية.

إنّما كان السبب الفعلي وراء الإستدعاء، والذي تبيّن تباعاً خلال التحقيق، هو على خلفيّة محادثة في إحدى المجموعات الخاصة بطلاب الجامعة على “الواتساب”، ونقاش جرى حول إقامة الشعائر الدينيّة داخل فروع الجامعة اللبنانية، حيث اعترضت على فكرة إقامة الشعائر الدينية داخل الفروع كمجالس العزاء وغيرها، وبشكل خاص “القداس” الذي نظمته حينها الهيئة الطالبية في كلية الإعلام الفرع الثاني، كوني طالبة فيها، فاعتبروا وبحسب ما ورد في المحضر، أنّ اعتراضي نابع من أنّ الكليّة تقيم شعائر دينيّة “مغايرة” لما أعتقد به (رغم الإلتباسات في هذه الجملة التي دوّنوها، واعتراضي عليها).

كانت صور المحادثة “المطبوعة” في يد المدير أثناء التحقيق، لا أعلم كيف حصل عليها رغم أن الحديث كان على مجموعة خاصة بالطلاب، إلا أنّ السؤال يبقى: هل لإدارة الكليّة الحقّ في التدخّل بمحادثاتنا الخاصّة (وإن كانت على مجموعات تبقى خاصّة) وفرض رقابة عليها؟

يومها طرحوا الكثير من الأسئلة، بعضها يشعرك بأنّك مقاتل أو “عميل” أسر في يد أحد ميليشيات الحرب، أو أنك جزء من مؤامرة كونية تحاك ضد الجامعة، مثل سؤال: من يحرّضكم على هذه الأفعال، من يقف خلفكم؟ (وربّما ضمير المخاطبة الجمع لأنّه كان يشمل صديقتين لي ترد أسمائهم على قائمة المعارضة للممارسات السائدة في الجامعة) والمقصود بهذه “الأفعال”، النقد الموجه لكل الممارسات الخاطئة في الكلية.

نعم، إدارة كلية “الإعلام” تعتقد أن “النقد” هو فعل جرمي يحرَّض عليه، ولا ينخرط ضمن أبسط واجبات الصحفيين والصحفيات ورسالتهم الإعلامية.

انتهى الإستدعاء بالتهديد، وأحرص على استخدام مصطلحي “التهديد والترهيب”، لأنّهم هدّدوني بمستقبلي التعليميّ وطردي من الكلية وكل فروع الجامعة اللبنانية، ولأنّي لم أكن يومها أتوقّع أنّ هذا اللقاء هو استدعاء “لمجلس تأديبي” كما وصفوه، لم أقرأ القوانين في هذا الخصوص مسبقاً، لأفهم أنّ مثل هذه الاستدعاءات والمحاضر غير قانونيّة، وأنّ إجراءات الطرد لا تتّخذ بهذا الشكل (رغم أنّي مقتنعة ضمنياً أنّ هذه الاجراءات وإن كانت غير متاحة بهذا الشكل، قد تتّخذ في هذا البلد، ولا يردعها القانون، لأن الإلتفاف على القانون أصبح القاعدة، وربّما لهذا السبب لم أسرد ما حدث معي حينها).

وقّعت على محضرٍ قرأت محتواه مؤخّرًا، رغم أنّي كنت قد طالبت مدير الكليّة قبل تخرّجي بفترة بأخذ نسخة عنه، كون هذا حقي، ولكنّه رفض وقال أنّه قام بتمزيقه بنفسه وطويت الصفحة.

لقد “طويت الصفحة” بالنسبة له عندما أوشكت على التخرج من الكلية، بعدما شكّل هذا “المحضر” ورقة ضغط أو “ابتزاز” بيده طوال فترة دراستي، تردعني من انتقاد الممارسات الخاطئة بالكلية على مواقع التواصل الإجتماعي أو أي وسيلة أخرى.

قمت بتوقيع تعهّد “سرّي”، نعم سرّي، هكذا أرادوه. لعدم قانونيته طبعاً. ولكنّي تفاجأت بأنّ من يسمون أنفسهم بالهيئة الطالبيّة في الكلية، كانوا على علم بما حدث، ويتمّ التداول به بين الطلّاب، وما يرافق هذا التداول من “تلطيشات” بأنهم كسبوا الجولة بقوة “الإدارة”.
الإدارة أرادته سرّي لكي يبقى ظاهرها مثاليّ أمام الجميع، وخاصة الهيئة التعليمية الذي خفي الأمر عنها، رغم خباثة كلّ ما حدث.

بعد ثلاث سنوات أنشر ما حدث، ليس سعيًا للشهرة كما سيصفها البعض بعد القراءة، ولكن بهدف القول لكافّة الطلّاب والطالبات في الجامعة اللبنانيّة، وبشكل خاص كليّة الإعلام: لا تسمحوا لأّيّ كان أن يكسر قلمكم المحمّل بالأحلام والطموحات، أو يقمع فكركم. عارضوا كلّ فعلٍ يسيء إلى جامعتنا، إفضحوا كل من يحاول كمّ أفواهكم عن الفساد والممارسات التي تهمّش دوركم كطلّاب، وتنتهي بتشويه جامعتنا الوطنيّة.

المصدر:”جويل عبد العال