كان من الأجدى لو أن رئيس الحكومة تطرق الى أسباب الإخفاق..
أين أنجزنا وأين عجزنا؟ سؤال طرحه رئيس الحكومة حسان دياب في معرض جردة الحساب التي قدمها عن المئة يوم من عمر حكومته.
وإذا كان دياب قد تولى تعداد “الإنجازات” بنفسه، فلخصومه عليه حق تذكيره بمكامن عجز الحكومة وإخفاقاتها وهي التي لغاية اليوم لم تقدّم إلا مشاريع على ورق، واقتراحات لا تزال غالبيتها قيد المناقشة.
ربما هي طبيعة البلد والقوانين التي تستلزم إجراءات ادارية روتينية وإحالات إلى لجان نيابية ومجلس نواب، ولكن بعد مئة يوم من عمر الحكومة لم يلمس المواطن اللبناني ما يمسّ حياته المعيشية.
راتب الموظف محجوز، وودائعه في علم الغيب، وأسعار السلع التي يستهلكها في يومياته تزداد بجنون وبين محل وآخر يزيد فرق سعر المنتج على عشرة آلاف ليرة. شبع المواطن كلاماً وسرداً لإنجازات لا تعنيه على المدى القريب، لم تنعكس على أقساط مدارس أولاده ولا على مستوى معيشته.
وإذا كان من حق رئيس الحكومة أن يتباهى بانجازات مئة يوم من عمر حكومة يترأسها، فليس من الظلم أن يصار الى تسليط الضوء على اخفاقات هذه الحكومة.
وكان من الأجدى لو أن رئيس الحكومة تطرق الى أسباب الإخفاق في تحقيق خطوات عدة فشلت الحكومة في بلوغها، أو تراجعت عنها لألف سبب وسبب.
كان بإمكان رئيس الحكومة ان يصارح الناس عن أسباب عدم البت بالتشكيلات القضائية حتى اليوم، وما الجديد الذي اعتمدته الحكومة في هذا المجال طالما ان ملفاً كهذا ضاع في دهاليز الوزارات المعنية.
وقد انقسم الجسم القضائي الى ثلاث جبهات بين مجلس القضاء
ونادي القضاة وثالث من القضاة التابعين للقاضية غادة عون.
وماذا عن التعيينات المالية لمصرف لبنان وتعيين هيئة رقابة على المصارف، ألم تدخل الحكومة طرفاً في المحاصصة وتفاضل بين الأسماء؟
وماذا عن هيئة مكافحة الفساد وبناء على أية معايير تم اختيار اعضائها، وما دور السفارات هنا؟ وكيف لحكومة أن تقترح “الكابيتال كونترول” ثم تتراجع عنه، تتحدث عن “الهيركات” ثم تتبرأ منه؟ ولماذا كانت تلك الحرب الوهمية التي خاضتها ثم تراجعت عنها في ما يتعلق بتعيين محافظ بيروت خلفاً للقاضي زياد شبيب؟ وماذا عن علاقة رئيس الحكومة برئيس الجمهورية الذي أخذ على عاتقه وأعطى وعداً للمطران الياس عودة بمعالجة ملف المحافظ، ليفاجأ بإصرار رئيس الحكومة على تعيين مستشارته قبل ان تنسحب طوعاً؟ وعلى مستوى العمل الحكومي، ماذا عن العلاقة بين الوزراء داخل الحكومة؟
وهل يتعاطون كفريق عمل واحد أم صار مجلس الوزراء عبارة عن متاريس سياسية كل وزير يتمترس خلف مصالح زعيمه؟ وكيف لوزراء أن يتسلموا أكثر من ملف دفعة واحدة، فيما لم نسمع بإنجازات آخرين بعد؟
واذا كانت حكومة تكنوقراط متحرّرة من القيد الطائفي فما الهدف من الزيارات المكوكية للوزيرة الدينمو، نائب رئيس الحكومة، زينة عكر على المسؤولين السياسيين وكان آخرهم رئيس “الاشتراكي” وليد حنبلاط قبل يومين؟ وهل يتابع الوزراء ملفات وزاراتهم، أم صار كلهم وزراء يتعاطون الشأن السياسي؟ وعلى سبيل المثال لا الحصر ماذا عن ملف النفايات وما الذي حققه الوزير المعني دميانوس قطار على هذا الصعيد؟
وإلى أي مدى يمكن التغني باسترداد ملف الخلوي في دولة بحال دولتنا الراهنة تغلبها المحاصصة والطائفية؟ وكيف يمكن التثبت من شفافية التلزيم والمناقصة مستقبلاً؟
كان يمكن أن يشرح رئيس الحكومة لماذا لم يطرأ اي تغيير على ملف الكهرباء، بل زادت ساعات التقنين سوءاً؟ كان يمكن الحديث عن إعادة ثقة الناس والعالم بالقطاع المصرفي، وأن نطمئن الناس إلى أموالها وجنى عمرها.
وماذا عن تعيين الهيئة الناظمة للاتصالات، ولماذا تأخر؟ وماذا عن هيئة إدارة شؤون النفط التي لا يزال يتقاضى افرادها بدل نقل ومخصصات سفر ورواتب عالية من دون مسؤوليات يمارسونها؟ أين هي بالتالي أبواب الهدر التي اقفلتها الحكومة؟
تثبيت الليرة
ربما كانت بقعة الضوء الوحيدة في خطاب دياب اعلانه عن تدخل مصرف لبنان لصالح تثبيت سعر صرف الليرة. وتفيد المعلومات ان لقاء جمع دياب بحاكم المصرف المركزي رياض سلامة نتيجة وساطة طلبها دياب من رئيس جمعية المصارف سليم صفير، وتم الاتفاق على تلك الخطوة علماً انها خطوة أخرى قد تكون على سبيل ترقيع الواقع وليس معالجته معالجة نهائية.
لعل من العبارات الاكثر صدقاً وواقعية في ما قاله دياب خلال جردة المئة يوم من عمر حكومته “إن اللبنانيين فقدوا الثقة بالكلام، وملوا من المعارك الكلامية الوهمية التي تحاول استنفار العصبيات، لخدمة مصالح شخصية أو سياسية”. وليس المواطن اللبناني وحده الذي ملّ وفقد الثقة وانما المجتمع الدولي الذي هاله ما وصل اليه لبنان من تردّ مالي واقتصادي واجتماعي وانعدام الثقة بنظامه المصرفي.
واذا كان دياب يعرف أن “المطلوب كثير جداً، وأن الظروف صعبة جداً”، فلا يكفي قوله للناس “إن معاناتكم طالت كثيرا” وهو اعترف انهم بالفعل بلغوا “درجة اليأس من إمكان حصول إصلاح”، والسبب هو أن الحكومة وضعت الإصبع على الجرح في توصيف الواقع إنما ليس بالمعالجات، فضلاً عن ذلك فليس المطلوب ان تتوجه الحكومة الى المجتمع الغربي فتحاكيه وتطلب مساعدته ولا تبادر باتجاه الدول العربية وقد بلغت المئة يوم من عمرها. سعت ونجحت في فك القيد الغربي ولو جزئياً عنها فماذا عن التعاون مع الدول العربية ودول الخليج؟
طبيعي ان تجد في طريقها “من يسعى إلى إفشال الحكومة، سواء لمصالح سياسية أو شخصية”، لكن ما ليس طبيعياً ان نداوم على التذكير به والغمز من قناته. أما موضوع الصعوبات فيعرف رئيس الحكومة كما الوزراء ممن لن تسعهم الارض فرحة بتعيينهم، انهم جاؤوا في أحلك الظروف وأصعبها ورضوا بالتحدي.
هو الشق الاخير من جردة رئيس الحكومة الذي يعني الناس ويتلهفون لتحقيقه، وما عداه امتحان جديد للحكومة ولكن من دون فرصة سماح هذه المرة. قالها رئيس الحكومة وهو صادق في ما قال ان “السفينة تغرق”.
المصدر:”نداء الوطن“