التهدئةُ السياسية التي يحاولُ حزب الله تكريسها في الداخل لإتاحةِ الفرصة أمام الحكومة خلال المرحلة المقبلة تواجَه بتسعيرٍ أميركي واضح.
ففي الشارع، توحي التحصينات الأمنية التي باشرت المصارف بتنفيذها عند مداخل فروعها بأننا قادمون على أيام صعبة وقرارات “غير شعبية” يتوقع أن تبدأ الحكومة بإتخاذها مرغمة وستدفع بالمتظاهرين إلى الساحات. يتزامن ذلك مع “فتح مريب” لسجلات المعابر غير الشرعية وسط “ضخ” يومي يرمي بأسبابها على كاهل حزب الله.
على الصعيد الحكومي هناك رعاية ظاهرة لمظاهر التفلّت وثمّة رهان على توسيع دائرة الارباك الجاري داخل السلطة التنفيذية، بات واضحاً وجود عقم على صعيد مسألةِ إتخاذ القرارات، وهذا نابعٌ في جزءٍ منه من الضغط الأميركي الحاصل.
موضوعُ حاكم مصرف لبنان لا ينفك يخرج عن هذا الإطار، بالإضافة إلى ذلك ثمّة تخبّطٍ يطغى على مسألتَين أساسيتَين: التفاوض مع صندوق النقد، وفتح ملفِ المعابر غير الشرعية والتهريب الذي سلك طريقه نحو التنفيذ على أن يكون هذا الملف عنواناً لتصعيد سياسي كبير في المرحلة المقبلة.
ما زاد الأمور تعقيداً، أن واشنطن شرعت في رفع منسوب التصويب، وفق ما هو ظاهر أن “مرحلة ثانية” من مشروع الاستهداف المتدرج قد دخلت حيز التنفيذ. مشروع القانون المقدّم أمام الكونغرس المختص بفرض عقوبات على لبنان يندرج في الاطار نفسه، أي زيادة الضغط على كامل الوضع اللبناني والحكومة بصفتها متهمة بالتبعية لحزب الله سيرتدّ عليها الملف سلباً طالما أن هناك مواضع شبهة بين الاقتراح الجديد وقانون قيصر في سوريا. في المحصلة، الاميركيون يعتمدون سياسة “خنق” حزب الله.
تَجد واشنطن فرصةً مؤاتية لزيادة ضغوطها للاستثمار ضد الحزب على إعتبار أنه السبب والمسبّب في آن، وهي تستفيد من جو داخلي معين، لكن من وجهة نظر أخرى، فإن واشنطن ليس في مقدورها التعمق كثيراً في مجال إرباك الوضع اللبناني خشية انفلاته وخروجه عن السيطرة، ففي وضعٍ مماثل ستعود الفوائد على الحزب.
يحملُ المشروع لغة عدائية واضحة ومضمونه يُظهر أنه مؤلف من مجموعة عناوين تنفع في فرض عقوبات قاسية جداً.
المسألة تتخطى إذاً التهديد بوقف تمويل الجيش اللبناني بل تطال كافة أشكال الدعم لمختلف المؤسسات ما يعني أنه سيتسبب بأذية واضحة، وستكون أضرارها موزّعة على أكثر من طرف.
ليسَ سراً أن نقاشاً عريضاً قد افتتح قبل فترة طويلة بين مراكز الدراسات في واشنطن ودوائر القرار لدى الكونغرس، قام على قراءة مسار الاستفادة من الدعم المالي الاميركي المخصص للبنان، وقد سادَ رأي لدى تلك المراكز بوجوب إقفال “مزاريب الدعم” على إعتبار أن أموال “دافعي الضرائب” تعود بالفائدة على حزب الله! بل إن جانباً من المحظيين الاكثر تطرفاً كان يُراهن على شدِّ اليد على عنق لبنان بما يضمن توفير أذية للحزب، من ضمن ذلك طُرح ملف المعابر الحدودية.
تُدرك واشنطن أنّ التطرق إلى هذا الجانب سيُثير حساسية حزب الله لواقع وجود معابر يستخدمها تُدرِجها الادارة الاميركية على القائمة السوداء، لذا وضعت على جدول أعمالها إستهداف كافة المعابر على التوالي، وقد لُزّمت على ما هو واضح، إلى حلفائها في بيروت بعد ضمها إلى مسارات المعابر الاخرى القديمة المستخدمة في عمليات التهريب، محاولةً إثارة الحزب عبر مدّهم بجرعات معلومات حول تلك المعابر.
تُدرك واشنطن جيداً واقع “مؤسسة التهريب” الناشئة بين لبنان وسوريا وتتوزع بين معابر مختصة بنقل المحروقات وأخرى يعود الفضل فيها إلى إدخال المواد الغذائية من الجانب السوري. ما يهم الاميركيين من كل مسألة المعابر، معبر واحد فقط لا غير، مفتوحٌ بين القصير السورية والهرمل اللبنانية يستخدمه حزب الله عسكرياً، يريد الاميركيون إغلاقه بأي ثمنٍ حتى لو كلف ذلك إقحام كافة المعابر في المعركة وتجنيد كافة الحلفاء لها.
يعتقدُ الاميركيون أنّ هذا المعبر يمتدُّ بحضوره إلى العراق وقد سبق وأشار إليه أحد مسؤولي حزب الله الكبار، أي أنه مدرج ضمن تركيبة الخطوط المفتوحة من طهران إلى بيروت وعليه تقع مسؤولية تمرير الدولارات إلى الحزب، ويشكل الهدف الاساس الذي يسعى الاميركيون خلفه وهو في صلب كل الورشة الجارية. لكن ومن أجل الوصول الى هدفهم، يبالغون داخلياً في رمي إتهاماتٍ تبدأ من تهريب الدولارات إلى تهريب الطحين نحو سوريا.
في المقابل، يعتبر حزب الله أن التطرق إلى موضوع المعابر يُعد مسّاً بإحدى ركائز وجوده، وطالما أن واشنطن تعلم أنّ “الدق” بتلك الخطوط سيُثير حساسيته، لذا لزّمت المهمة إلى دوائر محلية. من الملاحظ الآن أنّ موضوع المعابر يحظى بإهتمام داخلي ومن خلال قراءة المشهد يتبين أنه سيكون عنواناً لتصعيد سياسي كبير في الداخل.
المصدر:”ليبانون ديبايت“